أين التيار الوطني الحر من الثوابت المسيحية؟

حاول العماد ميشال عون منذ اللحظة التي عين فيها رئيسا لحكومة انتقالية اظهار نفسه بأنه يمثل تيارا لبنانيا عابرا للطوائف، وكلنا يذكر تلك المقابلة التي اجراها تلفزيون لبنان في ذلك الوقت لاحد المواطنين من طريق الجديدة مع الجماهير في قصر بعبدا ليتبين بعدها انه رتيب في اللواء الخامس فرضت عليه المقابلة.

وخلال فترة نفيه كان يتكلم بإسم كل المكونات اللبنانية، وحتى بعد عودته خاض الانتخابات بتيار عابر للطوائف، لكن بعد الفوز اطلق العنان لنغمة انه صاحب اكبر تكتل نيابي مسيحي وانه نال 70 بالمئة من اصوات المسيحيين وطالب بإستعادة المواقع المسيحية وصلاحيات رئاسة الجمهورية ودور المسيحيين في النظام وغيرها من السرديات المذهبية وليس الطائفية.
قبل ثورة 17 تشرين ببضعة اشهر نتذكر جميعا زيارات رئيس التيار جبران باسيل الى بعض المناطق اللبنانية والاشكالات الطائفية التي تسبب بها سواء في قبر شمون او طرابلس وغيرها من المناطق التي لم تستقبل باسيل بترحاب. وفي احدى اطلالاته الاعلامية لم يتردد باسيل بالقول بأن هدف تياره ان يصبح القوة السنية الثانية بعد تيار المستقبل والقوة الشيعية الثانية بعد حزب الله ولكن كل تلك الادعاءات سقطت مع انحدار شعبية التيار.

اليوم باسيل يمثل ثاني اكبر تكتل نيابي مسيحي، شأنه شأن كل القوى السياسية اللبنانية التي تمثل جزء من المكونات اللبنانية، المسيحيون اليوم يمرون بأزمة ثقة مع الدولة كفهوم حكم، وباسيل وتياره لا يملكان الاجوبة ولا يمثلان الضمانة للمجتمع المسيحي ولا حتى يشكلان الضمانة للمسيحيين المأزومين.

حاولت بكركي جمع الاحزاب المسيحية للخروج بورقة ثوابت مسيحية تنبع من فكرة البطريرك الحويك التي اسست للبنان الكبير، ولكن للاسف مسودة تلك الثوابت لم تصدر بعد. وهنا على باسيل ان يحضر نفسه وتياره للاختبار الصعب، ما موقفه من السلاح غير الشرعي، ومن النزوح، ومن ازمة الودائع، وفكرة اعادة هيكلة المصارف، والفائض في القطاع العام، وقرار السلم والحرب وغيرها وهذا ما يمكن تسميته "بالجوهر". جوهر تأسيس لبنان الكبير ودور المسيحيين فيه ونظرتهم للدولة وادارتها ومؤسساتها وحجم تمثيلهم فيها ومدى تأثير فكرهم ومفهومهم على تلك الدولة.

ثوابت بكركي ستحرج التيار حكما، وثوابت البطريركية المارونية ستحد من قدرات باسيل في "النطنطة" السياسية التي يمتاز بها عن كل القوى السياسية الاخرى لا بل يتفوق على وليد جنبلاط "القلاب" حسب ما تقتضيه مصالحه الذاتية. اذا ما وافق باسيل على الثوابت فكيف سيتراجع عن دعمه للمقاومة وموافقته على اخذ كل اللبنانيين دروعا بشرية خدمة لمشروع فارسي وهو الشبيه تماما للفكر الوهابي بكل ابعاده الدينية. 

موافقته على الثوابت المسيحية اذا ما وافق عليها ستساهم في زيادة النزيف الشعبي لتياره خصوصا ان التمسك بالثوابت ستحد من قدرته على "التجارة" بالسياسة واتخاذ الموقف ونقيضه كل اسبوع. خيار الموافقة على الثوابت اما يخرجه نهائيا من تحت مظلة بكركي واما تثبت تلك المظلة فوقه وتخد من حركته وخياراته الشخصية.