المصدر: النهار
الثلاثاء 4 شباط 2025 17:06:38
هدوء تام معتاد يرافقك صباحاً على امتداد الطريق من محيط قلعة بعلبك الأثري مروراً بنصب الهرمل التذكاري، وصولاً إلى قرى الهرمل الحدودية مع سوريا (حوض العاصي). وكلّما اقتربت أكثر باتجاه القرى المحاذية والمتداخلة مع الأراضي السورية تدرك تماماً أنّك في منطقة جردية شاسعة مترابطة، وفي رحلة استكشاف على واحدة من أكثر الطرق خطورة ووعورة في العالم.
هذه المناطق العشائرية نهارها نقيض ليلها تماماً. فمع المغيب تبدأ مغامرات التهريب وقصص الاستلام والتسليم على طول الحدود، من المعابر الشرعية وتلك غير الشرعية، ترافقها إشكالات مسلحة من فترة إلى أخرى.
هنا في بعلبك الهرمل، تعدّ العشائر حجر الزاوية في النسيج الاجتماعي والسياسي. تساهم في تعزيز الاستقرار، إلّا أنها تواجه أيضاً تحديات في مواجهة المخلّين بالأمن من داخلها، من هنا تطرح الأسئلة حول دور هذه العشائر في المساهمة والالتزام بالأمن الحدودي شرقي لبنان، وموقفها وتأثيرها على الترتيبات الأمنية المتخذة من الدولتين السورية واللبنانية.
ما الذي تغير في هذه المنطقة الحدودية بعد سقوط النظام السوري، وما دور القوى الفاعلة في مكافحة التهريب بأنواعه كافة ومدى مساهماتها في دعم منطق وخطط الدولة والاستقرار الأمني؟
كبير عشيرة آل جعفر
"تفتقر الحكومة إلى إجراءات واضحة للتصدّي للتطورات الحاصلة على الحدود اللبنانية السورية في منطقة بعلبك الهرمل". هذا ما يقوله كبير عشيرة آل جعفر في الهرمل الشيخ ياسين علي حمد جعفر، لكنّ "الآمال هي على الجيش اللبناني ليضطلع بدوره في تنظيم الترتيبات والإجراءات الأمنية، كي لا تسيطر الفوضى وتُترك الحدود عرضة للاختراق، ما قد يؤدي إلى حدوث اختلالات أمنية".
وعن العلاقة مع العشائر والعائلات السورية، يؤكد جعفر عبر "النهار" على "روابط وثيقة دائمة معها بغضّ النظر عن القوى الحاكمة في سوريا أو لبنان"، قائلاً: "جارك القريب خير من أخيك البعيد"، فالعلاقة مع الجهات السورية، سواء الرسمية أو الشعبية أو العشائر العربية، تُعتبر رمزاً لهويتنا ولا يهم من يتولّى الحكم في سوريا، فالعروبة تجمعنا جميعاً".
عمليات التهريب... من الممنوعات إلى الفيول؟
يرفض جعفر إبداء تقييم حاسم ونهائي لنتائج الترتيبات الأمنية على الحدود ما لم تنجلِ صورة المشهد السياسي في سوريا بوضوح، فهناك من يغطي عمليات التهريب والانتهاكات، حيث تتحكم اعتبارات سياسية في تصرّفات بعض الوزراء، الذين يمثلون أحزابهم بدلاً من الانتماء للدولة.
لا تراجع في نسبة التهريب عبر المعابر بعد انهيار النظام السوري، لا سيّما التهريب من لبنان إلى سوريا، وبالتحديد في ما يتعلق بموارد الطاقة مثل الفيول والمازوت والبنزين، حيث يستفيد من هذه الأنشطة زعماء سياسيون وأفراد نشطون في قطاع الطاقة.
أمّا بالنسبة إلى تهريب الممنوعات، فقد "شهدت ظاهرة تهريب المخدرات والكبتاغون تراجعاً ملحوظاً، يؤكد جعفر. وربما انتهت في الوقت الراهن، ما يشكّل صدمة لكافة الأطراف الحزبية المعنية، إذ توقفت جميع الشبكات التي كانت تعمل في هذا المجال".
يبدي جعفر ثقة مطلقة بقدرات الجيش اللبناني وبمهامه الأمنية، رافضاً تحميله أعباء إضافية، في حين "تظلّ بعض الأجهزة الأمنية مقصّرة في أداء واجباتها، وكثيرون يدركون من يتستر على التجاوزات، والنزاعات الحالية هي صراع بين دائرة من المنتفعين من التهريب".
الجهة المستفيدة من التهريب؟
أحد وجهاء عشيرة آل نصرالدين الشيخ محمد مرشد نصرالدين يؤكد لـ "النهار" أن "موقفنا كعشائر إزاء الجيش في جميع ترتيباته المتعلقة بفرض السيطرة على الحدود هو موقف صريح وواضح في دعمه دون أيّ تردد".
وفي ما يخصّ احتمالات نجاح أو إخفاق الإجراءات الأمنية، يشدّد نصر الدين على أنه لم يحدث ما يستدعي اتخاذ موقف نهائي من جانب العشائر في شأن إمكانية نجاحها أو إخفاقها، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ "التطورات حتى الساعة لا تتجاوز كونها مشادات خفيفة بين المهربين، والحدود تشهد استقراراً بفضل وجود الجيش".
يفضل نصر الدين ترك الأمور الأمنية تسير وفقاً للقانون ولخطوات الأجهزة الأمنية، قائلاً: "من يرغب في أن يقود ويُجرّ نفسه وعدد قليل من المخالفين للقانون وللعادات إلى متاهات غير محمودة العواقب، فليتحمل هو العواقب، ولا غطاء على أيّ مخلّ بالأمن، فالقانون هو السلاح الذي يضبط إيقاع الأمور في هذه الظروف العصيبة، خصوصاً في ظلّ وجود النزوح السوريّ في المنطقة".
العلاقة مع الإدارة الجديدة والعشائر العربية السورية؟
يؤكّد نصر الدين أنّ عمليات التهريب الراهنة تصبّ في مصلحة الداخل السوري، حيث تُجرى هذه الأنشطة من لبنان إلى الأراضي السورية، مشيراً بألّا تواصل مع الإدارة السورية الجديدة، والعلاقات والاتصالات للتشاور في شأن أمور المنطقة تُعقد عبر العشائر والعائلات السورية من القصير، والاتصالات المباشرة مع هذه الإدارة تظلّ غائبة تماماً.
"عندما تحدث النزاعات المسلحة بين المهربين اللبنانيين والسوريين، التي تتكرر بين الحين والآخر نتيجة خلافات مالية دائمة، يتدخل الجيش ليبسط سلطته ويعالج الأمور"، يوضح نصر الدين، و"بفضل تدخل الجيش السريع في حلّ النزاعات يصبح للعشائر دورٌ ثانوي، حيث تنتهي الأمور سريعاً دون الحاجة لتدخلهم".
"كانت الحدود فضاءً مشرّعاً أكثر لعمليات التهريب قبل سقوط نظام الأسد"، وفق ما يؤكّد الشيخ علي خضر الحاج حسن، إلّا أنّ الأوضاع اختلفت الآن جذرياً بعد انتقال السلطة في سوريا إلى حكم جديد.
الثغرات الموجودة في سوريا تتيح فرصاً للتهريب من لبنان، إذ تتركّز هذه العمليات في الأماكن التي تفتقر إلى تواجد الجيش اللبناني، ما يجعلها نقاطاً خصبة للتهريب.
ويوضح الحاج حسن لـ"النهار" ، أنّ الأماكن التي شهدت انخفاضاً في التهريب، تعدّ جزءاً من القرى المتناثرة في حوض العاصي اللبناني، مثل قرى زيتا، السماقيات، الصفصافة، حوش السيد علي، وبرج الحمام. ومع ذلك، فقد عادت عمليات تهريب المازوت وازداد نشاط تهريب البنزين في الآونة الأخيرة، حيث تُنفّذ هذه الأنشطة عبر المعابر غير الشرعية.
وعن التنسيق مع القوى السورية، يلفت الحاج حسن إلى أن "الاتصال مع الإدارة السورية الجديدة يتمّ من خلال وسطاء، وليس بشكل مباشر، والعديد ينتظرون المصالحات لتتيح عودة اللبنانيين إلى قراهم الحدودية من الجانب السوري، بالإضافة إلى السوريين الذين قدموا إلى مناطقنا في الآونة الأخيرة بعد الأحداث المؤلمة في سوريا. وتلك المسألة ترتبط بشكل وثيق بقرار الإدارة السورية الجديدة وما تطمح إليه من أهداف".
الإدارة السورية الجديدة: استمرار تهريب المحروقات والمشتقّات النفطية
من جهتها، قالت مصادر في الإدارة السورية الجديدة لـ"النهار" أن هناك "تراجعاً كبيراً لعمليات التهريب وضبط المعابر، لما هو مصلحة لبنان وسوريا معاً، باستثناء استمرار تهريب المحروقات وموارد الطاقة".
وأكّد المصدر أنّ ما "نحتاجه في سوريا هو كلّ شيء، من مواد البناء، والمواد الأساسية للمعيشة والمحروقات، وهذا الأمر مسموح في الوقت الحالي ضمن ترتيبات محدّدة تشمل التفتيش والتدقيق والمراقبة على المعابر، قبل عبورها نحو الداخل السوري".
يحيى شمص و لينا إسماعيل - "النهار"