المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم بيرم
الأربعاء 19 شباط 2025 07:26:00
ماذا يعني اغتيال إسرائيل لأحد القادة العسكريين لحركة "حماس" في لبنان محمد شاهين، في أثناء مروره على المدخل الشمالي لصيدا أول من أمس؟
لا ريب في أن الحدث كان مفاجئا من كل النواحي وينطوي على أبعاد مثقلة بالمخاطر، إذ إن إسرائيل اعتادت أن تركز فعلها العسكري في الأشهر الماضية على ملاحقة كوادر "حزب الله" والفتك بهم أينما وجدتهم، فيما بدت "حماس" كأنها انسحبت من ميدان المواجهات الضارية التي دارت مدى 15 شهرا، بعدما شاركت في بدايات تلك المواجهات عبر عمليات نفذتها منفردة وأخرى إلى جانب مقاتلي الحزب.
وبالفعل، انخفض مستوى الإغارات الإسرائيلية على مقاتلي الحركة وكوادرها إلى درجات دنيا بعدما كانت المسيرات الإسرائيلية قد نجحت في اصطياد ما لا يقل عن 18 كادرا عسكريا من الحركة استهدفتهم في محيط مخيمي عين الحلوة والرشيدية، إضافة إلى مناطق في البقاع الغربي. ومعلوم أن الخسارة الكبرى للحركة تجسدت في اغتيال القيادي الأبرز في الحركة والمسؤول عن الضفة الغربية صالح العاروري إبان وجوده في الضاحية الجنوبية.
وبناء على نتائج تلك التطورات الميدانية، بدت "حماس" كأنها قد توصلت إلى اقتناع فحواه أن لا جدوى من مشاركتها في المواجهات، وخصوصا أنها قد خسرت فيها ما لا يقل عن 35 كادرا مدربا من جهازها العسكري سقط القسم الأكبر منهم وهم في طريقهم إلى المنطقة الحدودية المشتعلة، فيما سقط آخرون في عمليات تسلل نفذوها في عمق إسرائيل، لكنها لم تحقق الهدف المرتجى.
وعليه، بدت الحركة كأنها قررت الانسحاب تدريجا من الميدان، فكان أن دخلت في مرحلة الاحتجاب أو المشاركة بالحدود الدنيا.
وعليه، كان فعلا يرقى إلى مكانة الحدث أن تستذكر إسرائيل وجود حركة "حماس" في لبنان قبل أقل من 24 ساعة على انسحابها من المناطق الحدودية التي ظلت تحتفظ بها، وأن تستهدف القيادي شاهين بالتحديد وفي مدينة صيدا بالذات.
وفي محاولة من أصحاب العلاقة بالملف الفلسطيني في لبنان لتفسير أبعاد هذه العملية الإسرائيلية، أن المستهدف يُعدّ بمثابة القائد الميداني العام للحركة في لبنان، وهو استطرادا بمثابة الشخص الثاني بعد العاروري. فضلا عن ذلك، فإن إسرائيل تدرج شاهين في دائرة الخلية المنظمة المكلفة مهمة إيصال السلاح والمتفجرات إلى مقاتلي الضفة الغربية، وهي الخلية التي لها شبكة علاقات ممتدة بين لبنان وسوريا والأردن، وتتولّى أدقّ المهمات.
وثمة من يدرج فعل اغتيال إسرائيل لشاهين أخيرا في إطار الإثبات أنها ما زالت تملك حرية الحركة في الساحة اللبنانية، وأنها وإن أنجزت انسحابها من الجنوب فإنها ليست في وارد الكف عن ملاحقة كل القيادات والكوادر اللبنانية أو الفلسطينية التي تعتبرها مصدر خطر على أمنها في قابل الأيام.
وبهذا الفعل، تريد أن تذكّر بأن مصدر الخطر المستقبلي عليها ليس من "حزب الله" فحسب بل من الجانب الفلسطيني الذي له مخيمات تضم بين جنباتها مجموعات عسكرية متحفزة تعدّ بالمئات وربما بالآلاف من الشباب. وهي تريد أيضا أن تؤكد أن انسحابها من لبنان لا يعني أنها ستتبع نهج التغاضي عن الساحة، وهو النهج الذي اتبعته بعد حرب تموز 2006 والذي سمح للحزب وحلفائه بأن يعززوا جناحهم العسكري.
وثمة من يرى أن الغارة الفلسطينية هي جرعة تذكير للسلطات اللبنانية بأن عليها المضي قدما في طي صفحة الوجود العسكري الفلسطيني، في موازاة سعيها لطي صفحة الوجود العسكري لـ"حزب الله".