أيّ "لبنان" يتحدّث عنه ولايتي؟ وهل يحقّ لطهران مواصلة دعم "حزب الله"؟

أثار تصريح مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، بأن "وجود حزب الله للبنان أهم من الخبز"، ردود فعل واسعة في بيروت، خصوصاً لجهة السؤال الجوهري: أيّ لبنان يقصده ولايتي؟ وهل يحقّ لمسؤول إيراني أن يعلن استمرار دعم بلاده لفصيل لبناني على أرض دولة أخرى؟

أول ما يستحضره هذا التصريح هو مقاربة طهران الدائمة للبنان بوصفه ساحة نفوذ إقليمية، لا دولة ذات سيادة كاملة، إذ يتعامل المسؤولون الإيرانيون غالباً مع الحزب باعتباره "جزءاً من الأمن القومي الإيراني" وامتداداً استراتيجياً لنفوذهم. لذلك، عندما يتحدّث ولايتي عن لبنان، فإن المقصود - وفق القراءة السياسية - ليس لبنان الدولة بكل مكوّناتها، بل لبنان الذي يتماهى مع محور المقاومة، أي البيئة المؤيدة للحزب ومشروعه.

أما على مستوى حقّ ولايتي في إعلان مواصلة دعم "حزب الله"، فرغم أنّ الأمر ليس جديداً، إذ لطالما أعلنت إيران دعمها العسكري والسياسي للحزب، فإنّ توقيت التصريح وحدّته يطرحان إشكاليات سيادية واضحة. فوفق منطق الدول، لا يحقّ لمسؤول خارجي إعلان دعم فصيل مسلّح داخل دولة أخرى يعدّ جزءاً من السلطة التنفيذية والأمنية. هذا النوع من التصريحات يُقرأ في لبنان باعتباره تدخّلاً مباشراً في الشؤون الداخلية، وتعزيزاً لفكرة أن قرار السلم والحرب ليس بالكامل بيد الدولة اللبنانية.

على المقلب الآخر، يرى خصوم "حزب الله" أنّ كلام ولايتي يكشف بوضوح حقيقة ارتباط الحزب بالمشروع الإيراني، ويعكس موقفاً يتقدّم فيه البعد العقائدي والعسكري على اعتبارات الشعب اللبناني ومعيشته. فالإيحاء بأن "وجود الحزب أهم من الخبز" يجعل الأولويات رأساً على عقب في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه.

في المقابل، يرى مؤيّدو الحزب أنّ ولايتي عبّر مجازياً عن أنّ الحزب يشكّل ركيزة حماية للبنان في مواجهة إسرائيل، وأنّ الأمن يتقدّم بطبيعة الحال على أيّ اعتبارات اقتصادية، لأن "الخبز بلا حماية لا قيمة له"، وفق منطقهم.

وبين القراءتين، يظلّ المعيار الأساسي هو الدولة: هل مقبول أن يعلن مسؤول أجنبي استمرار التمويل والدعم لجهة مسلّحة داخل دولة ذات سيادة؟ وهل يُفترض أن يمرّ ذلك بلا ردّ رسمي واضح يثبت الحدّ الأدنى من استقلالية القرار اللبناني؟

بذلك، يكشف تصريح ولايتي مرّة جديدة حجم التصدّع في تعريف لبنان: لبنان الدولة؟ أو لبنان الساحة؟ لبنان الشعب؟ أو لبنان المحور؟

وما لم يُحسم هذا التعريف، فإن كل تصريح خارجي يلامس موقع "حزب الله" سيحدث ارتجاجاً في السياسة اللبنانية، ويعيد فتح النقاش نفسه حول السيادة، والقرار الوطني، ومعنى الدولة.