أي مستقبل للتطبيع بعد "طوفان الأقصى"؟

على إيقاع "طوفان الأقصى" وحصار غزة وما يجري في جنوب لبنان، تكرّ سبحة التساؤلات حول تداعيات هذه الحرب المفتوحة التي لا أفق لها والأهم انعكاساتها السياسية اذ بعدها ليس كما قبلها نظراً لفداحتها التي تعتبر الأخطر والأبرز في آن في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي لنوعية العمليات الميدانية واقتحام المستوطنات.

في السياق، ماذا عن مستقبل التطبيع مع إسرائيل الذي انطلق من خلال اتفاق كامب ديفيد والزيارة الشهيرة للرئيس المصري أنور السادات الى القدس وخطابه في الكنيست الإسرائيلي؟ هذا الاتفاق والتطبيع أدى الى تفاقم الصراع العربي مع إسرائيل لتأتي عملية اجتياح العام 1982، وبالمقابل الشارع المصري لم يسلك درب التطبيع بدليل ما جرى في الإسكندرية من خلال مقتل سائحين إسرائيليين، والأمر عينه مع المغرب ودول خليجية وعربية طبّعت مع إسرائيل دون أن تتفاعل الشعوب مع هذا المسار الى جملة اعتبارات وانقسامات في صفوف الأنظمة بما في ذلك الواقع الفلسطيني، بحيث يشار الى أن اتفاق أوسلو الذي أرساه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين برعاية الولايات المتحدة الأميركية خلال ولاية الرئيس بيل كلينتون، أدى بداية الى مقتل رابين على يد متطرف إسرائيلي وصولاً الى رفض هذا الاتفاق من فصائل فلسطينية عديدة، وبمعنى أوضح كان له الأثر الواضح على الانقسامات والصراعات التي دارت رحاها عسكرياً بين القوى الفلسطينية وللتذكير حرب غزة بين فتح وحماس التي امتدت لاحقاً الى عين الحلوة واغتيالات وتصفيات بين الطرفين.

أما ماذا عن التطبيع راهناً خصوصاً أنه شهد في الآونة الأخيرة ارتفاعاً في منسوبه من قطر الى الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والبحرين وتبادل سفراء الى علاقات اقتصادية وتجارية وسياحية التي تنامت خلال الصيف بين الامارات ومصايف إسرائيلية، وتجارياً عبر مرفأي جبل علي وحيفا، فالأنظار كانت شاخصة باتجاه المملكة العربية السعودية أي متى تُطبّع مع إسرائيل؟ ويذكر هنا أن أحد وزراء الحكومة الإسرائيلية زار المملكة مؤخراً ولكن لم يحصل التطبيع أو أي خطوات كبيرة تشي بذلك، لا بل أن معظم بيانات مجلس الوزراء السعودي، تتضمن بنداً حول الوضع الفلسطيني عبر التنديد بالاستمرار في بناء المستوطنات، ومن ثم الدعوة الى سلام عادل وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم كاملة وهذا ما طالب به الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز خلال قمة بيروت العربية العام 2002، في حين كانت هناك اشادة من جهات فلسطينية ولبنانية وعربية لموقف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ربطاً بحرب غزة وتأكيده الوقوف الى جانب الفلسطينيين وصولاً الى تحركه الفاعل باتجاه الزعامات والقيادات العربية والدولية للجم العدوان الإسرائيلي وادانته.

من هذا المنطلق، ان مستقبل التطبيع بعد عملية "طوفان الأقصى"، بات في مهب الريح خصوصاً أن الحرب مستمرة وارتداداتها ستكون مكلفة على كل الصعد في ظل الخسائر البشرية والمادية، وبالتالي لا يمكن معرفة أو التنبؤ متى ستنتهي هذه الحرب،. وبناء عليه ان الدول التي طبّعت ستبقى مفاعيل تلك الاتفاقات في ثلاجة الانتظار والترقب في هذه الظروف تجنباً لأي انعكاسات على صعيد ضرب مصالح اقتصادية أو التعرض لبعثات دبلوماسية وسواها من العمليات الانتقامية، لأن ما يجري اليوم بمثابة الجرح النازف . وعليه يستغرب أكثر من سياسي وديبلوماسي عربي لدى سؤالهم عن مستقبل التطبيع، أن يكون هناك حديث مستقبلي حيال هذه المسألة باعتبار وفق معلومات الأكثرية منهم أن المنطقة ذاهبة الى متغيرات جيوسياسية وتحديداً من لبنان الى سوريا وفلسطين، ما يعني الحديث عن التطبيع مع إسرائيل سابق لأوانه ومستقبله ينتظر النتائج السياسية دون اغفال أنه لأول مرة يكون الدعم المطلق عسكرياً وسياسياً من الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل، فواشنطن موقفها غير مستغرب بالعودة الى تاريخها مع تل أبيب خصوصاً في حروبها مع العرب، أما عن أوروبا فكانت وأقله باريس وإيطاليا تهرعان لادانة ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين واللبنانيين عبر الحروب التي كانت تحصل منذ السبعينات الى اليوم، وبمعنى أوضح ثمّة ترقب لما ستُرسي عليه الاصطفافات الدولية والعربية بعد "طوفان الأقصى"، لذا مستقبل التطبيع غير واضح المعالم في هذه المرحلة الاستثنائية والأصعب داخلياً وعربياً.

وأخيراً، يُبدي قيادي في المجلس الوطني الفلسطيني تشاؤمه في هذه المرحلة، اذ يرى أن الحرب على غزة ستغير خارطة المنطقة والواقع الفلسطيني الراهن ولن تبقى السلطة في رام الله صامتة بل الطوفان آت في الداخل الفلسطيني وخارجه، وعليه التطبيع انتهى والأمور ذاهبة نحو مرحلة جديدة فلسطينياً وعربياً في إطار الصراع مع اسرائيل.