إحباط وبطالة واستقواء "على الآخر"...شباب لبنان على أجنحة الهجرة الثالثة

على شرفة منزلها التراثي في قلب بيروت والذي أعاد أولادها ترميمه بعد تفجير المرفأ تجلس سيدة سبعينية عصر كل يوم وتحدق في المدى البعيد حيث هاجر أولادها الثلاثة. ومن حين إلى آخر يشاطرها زوجها الجلسة على فنجان قهوة إذا سمحت له صحته بالنهوض من الفراش. وليست وحدها في ذاك الحي البيروتي التي تعيش حرقة هجرة أولادها. فجليستها في مبنى مواجه تقاسمها نفس الهواجس والخوف من أن ترحل ذات يوم وأولادها في الغربة.

واقع بات يختصر المشهد اللبناني في كل حي في كل شارع وهو مرجح لأن يتوسع ويكبر في ظل استمرار قوافل المهاجرين من فئة الشباب حتى بات المجتمع اللبناني مصنفا بالمجتمع الهرم.

واقع سوداوي؟ هو كذلك إلا أنه يحمل أكثر من وجهة نظر. فهجرة الشباب قد تكون العامل السلبي الاخطر في المدى البعيد على الاقتصاد اللبناني، مع ذلك يُنظر لها اليوم على انها "أوكسجين" الاقتصاد. إلا أن تفاقم وتيرتها منذ اندلاع الازمة في 2019 وتفشي وباء كورونا وما نتج عنه من ركود اقتصادي، بالاضافة الى انفجار مرفأ بيروت الذي جاء بمثابة الضربة المؤلمة التي دفعت كثيرين الى الهجرة كلها محفزات باتت تهدد بانفجار فتيل "القنبلة الزمنية الديموغرافية"، سيما وأن موجة الهجرة الثالثة، كما يصنفها إختصاصيون في علم الديموغرافيا والإجتماع، ستؤدي إلى تبدّل في الطبقات الاجتماعية ومستوى معيشتها، وخسارة في الانتاج المحلي، وفقدان للمهارات الكفوءة.

النائب أديب عبد المسيح  رفع الصوت عاليا من خلال منشور كتبه عن هجرة المسيحيين على منصة "إكس". لماذا المسيحيون حصرا دون سواهم من الطوائف خصوصا أنها تشملهم؟ يقول لـ"المركزية" " اول من يدفع إلى هجرة المسيحيين من لبنان هم المسيحيون أنفسهم وقادتهم الذين وُضعوا خطأ في المكان الخطأ. نريد قادة يكون انتماؤهم للوطن وليس للطائفة . اختبرنا مسألة استعادة حقوق المسيحيين وضمان حقوقهم ووصلنا إلى النتيجة التالية :هجرة الشباب اللبناني أولا والمسيحي ثانيا وفراغ رئاسي لمدة عام وفراغات في المواقع المسيحية الأولى في الدولة والحبل على الجرار".

دوره كنائب يحثّه على رفع الصوت عاليا والإضاءة على المواضيع كما هي من دون تجميلها يقول عبد المسيح، ويشدد على ضرورة تطبيق الطائف الذي يلغي الطائفية واستعادة المؤسسات وتطبيق الدستور ويشير:"نريد دولة قانون وليس استقواء. حلف الأقليات انتهى في المنطقة، وفي لبنان الموضوع أكبر من الطوائف، إنه انقسام بين من يريد لبنان كميل شمعون وفؤاد شهاب والياس سركيس وبين لبنان الساحة الخاضعة لإدارة معارك الخارج".

قد يكون الحل بعيد المدى، لكن لا بد من رفع الصوت والقيام بخطوات حثيثة لوقف النزف البشري المتمثل بهجرة الشباب. وأولى الخطوات يقول عبد المسيح تبدأ "بالجلوس سويا والإتفاق على مبدأ احترام الدستور وروحيته لأنه يشكل ضمانة للإستمرارية. هناك مهل دستورية يجب الإلتزام بها وعدم التسليم بمبدأ الفراغ وتفريغ المواقع المسيحية وغير المسيحية".

ما يعيشه لبنان هو نتيجة ما صنفه البنك الدولي بثاني أسوأ أزمة تمر بها دولة في التاريخ"، وأول بلد من حيث نسبة اللاجئين مقارنة بعدد سكانه إذ تجاوز عددهم المليونين ونصف المليون شخص، بحسب بعض التقديرات أغلبيتهم من النازحين الاقتصاديين، مقابل أربعة ملايين و800 ألف مقيم في لبنان من ضمنهم 20 في المئة أجانب من دون احتساب المخيمات السورية بحسب دراسة أعدتها دائرة الإحصاء المركزي. ويسألون لماذا يهاجر شبابنا؟

رئيس مؤسسة لابورا الأب طوني خضرة يؤكد لـ"المركزية" أن "كل لبناني يريد لبنان يوضب أحلامه في حقيبة ويهاجر لأن المؤامرة مستمرة. لكن وإن كانت هذه المؤامرة مصوبة على مسيحيي الشرق إلا أنها ليست حكرا على الشباب المسيحي في لبنان إنما تشمل كل الطوائف من دون استثناء" لأنهم يرفضون واقع استقواء الآخرين. ويرد مسألة التصويب على هجرة المسيحيين "كونهم أقل عدديا ولأن المؤامرة على المسيحيين الذين يشكلون مصدرا للإقتصاد الحر والتعليم الحر وهذا حتما لا يناسب أي مكون مشرقي يطمح للتحكم بالبلدان".  

وتوضيحا يلفت الأب خضرة "أنه ليس مع نظرية المؤامرة إنما واقعية المؤامرة ويؤكد أن مطلق أي نزف لا يتوقف إلا بالعلاج وفي مسألة الهجرة الموضوع لا يكون بأعجوبة إنما أولا بوقف الخطابات والإنصراف إلى القيام بمشاريع إقتصادية وزراعية وإجتماعية وصحية من شأنها أن تؤسس لبقاء الشباب اللبناني في أرضه وهذا ما نقوم به من خلال مؤسسة لابورا وإتحاد أورا والإتحاد المسيحي الدائم". ويضيف"المكون المسيحي ضرورة وليس مجرد عدد وعندما يكون هذا المكون قويا وليس مستقويا يكون لبنان بألف خير . المطلوب مكون مسيحي  قوي  وخادم وليس مستقويا وسلطوياً".

بالنسبة إلى الشباب اللبناني المشكلة هي "لبنان" ولا أحد لديه حلول سوى الهجرة، بسبب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. ويعود هذا التحول في نظرة الشباب لمستقبلهم الى اليأس وتداعيات الأزمة الاقتصادية والإحباط وتحديدا بعد ثورة تشرين حيث شعر الشباب اللبناني الذي كان مؤمنا بالتغيير بالقنوط واليأس وها هو اليوم يحصد النتائج بالفراغ الرئاسي وما عداه من فراغات في المواقع المسيحية، وعلى رغم ذلك يرى أن الحياة تستمر بشكل طبيعي وكأن لا لزوم لتعبئة فراغ رئيس الجمهورية. مع ذلك لا خوف على المسيحيين يختم الأب خضرة لأنه "على رغم الإضطهاد يبقى الركيزة للتطوير ولا يمكن الإستغناء عنه. والمطلوب خلق مشاريع للتطوير وترسيخ الوجود. فالمسيحية ليست الضمانة للمسيحيين إنما لبنانيتهم!".