المصدر: المدن
الكاتب: بتول يزبك
الجمعة 26 كانون الثاني 2024 16:33:30
بعد إعلانها استئناف العمل ولو بصورةٍ جزئيّة ومتقطعة (جداول زمنيّة مُحدّدة ضمن آليّة جديدة)، شهدت هيئة إدارة السّير والآليات ومصلحة تسجيل السّيارات "النافعة"، في الآونة الأخيرة، إزدحامًا بشريّاً غامراً، ووفوداً من اللّبنانيّين المتهافتين لإنجاز المعاملات العالقة والمؤجلة، لشهورٍ طويلة خلّت، وتحديدًا في فرعها الواقعة في الدكوانة، للحضور شخصيًّا ومن دون وكالات أو حاجةٍ إلى موعد، استعجالًا وتوجسًا من توقفٍ جديد مُحتمل.
والعودة هذه، الضروريّة حتمًا، نظرًا لتعطل واحد من أهم مرافق الدولة الحيويّة والتّي تغذي خزينتها، وما يكتنفها من حلّولٍ "لتنظيف هذه المصلحة" من لوثّة اللصوصيّة، قد وُصفت مرارًا بالتّرقيعيّة، خصوصًا بعدما سلّك المتورطون بالفساد الموصوف في الهيئة مسارًا طويلًا من المساءلة القضائيّة، لم يُفضِ في خواتيمه للتّعويض عما سُلب من حقوق الدولة اللّبنانيّة المنهوبة، ناهيك بتساؤلات عدّة عن آليّة "التنظيف المزمع" وتوافر مزيد من الحقائق التّي تُفيد بأن شبح المتسببين بالأزمة لم ينجلِ بعد.
إخبار أمام النيابة العامة الماليّة
في السّابع عشر من شهر كانون الثّاني الجاري، تقدم كل من المحاميين علي عباس وشاكر طالب، بإخبارٍ لدى النائب العام الماليّ علي إبراهيم، موضوعه "هدر وتبديد وسرقة المال والمواطنين بمعرض إستيفاء هيئة إدارة السّير والمركبات، بالاشتراك مع شركة إنكربت المُشغلّة للمرفق، رسوم إضافيّة لقاء خدماتٍ غير موجودة". وبالتّالي، حسب نصّ الإخبار المُقدم، فتحقق "جرائم الإخلال بالواجبات الوظيفيّة واستثمارها لأهدافٍ ومكاسب خاصة، وفبركة مستندات وإيصالات وإختلاسٍ للأموال العامة المنصوص عنها في المواد 351 ولغاية 366 من قانون العقوبات، إضافةً إلى جرائم سرقة المواطنين والاحتيال عليهم وجرم الإثراء غير المشروع المنصوص عنه في المرسوم رقم 38 تاريخ 18/12/1953، المُعدل بالقانون رقم 154 تاريخ 27/12/1999 والقانون رقم 189 تاريخ 16/10/2020".
وفي التّفاصيل، صدر بتاريخ 12 أيلول 2023، عن ديوان المحاسبة رأيٌّ استشاريّ، مبني على طلب من هيئة إدارة السّير والمركبات (سندًا للمادة 87) حول إمكانيّة استيفاء بدل خدمة إصدار رخص السّير والسّوق الإلكترونيّة ولوحات التّسجيل الآمنة، بناءً على تحليل أسعار جرى وضعه مع شركة "انكربت" لصاحبها هشام عيتاني، وهي الشركة المُشغلّة لهذا القطاع. ولحظ الرأيّ عدم ممانعة استيفاء الهيئة للبدلات التشغيليّة غير الوارد ذكرها في قانون السّير واللازمة لتأمين إصدار الرخص واللوحات الآمنة على أساس تقديم هذه الخدمة للمواطن.
وبعد المباشرة بتطبيق الزيادات المُقرّرة تبين في الإيصالات المدفوعة من المواطنين، ما يلي:
بدل إصدار رخصة سير: 1,400,000 ل.ل.
بدل إصدار لوحة تسجيل آمنة: 1,800,000 ل.ل.
بدل إصدار لاصقة إلكترونيّة: 1,000,000 ل.ل
وبالنسبة للدراجات الناريّة:
بدل إصدار رخصة سير: 1,400,000 ل.ل.
بدل إصدار لوحة تسجيل آمنة: 900,000 ل.ل.
بدل إصدار لاصقة إلكترونيّة: 1,000,000 ل.ل.
هدر وتبديد أموال عامة؟
وللمفارقة، فقد ذكر المحاميان في نصّ الإخبار، أنّه يجري استيفاء هذه الرسوم، لغاية الآن. وبالتّالي، تحقيق أرباح طائلة على حساب المال العام والمواطن. ذلك رغمًا عن عدم وجود لا لوحات تسجيل آمنة ولا لاصقات إلكترونيّة، حيث أن المواطن يُسدّد هذه الرسوم من دون أن يحصل على الخدمة التّي جرى وضعها لغاية إفادته منها. فيما لم يُعرف للآن مصير هذه الأموال، التّي يجري دفعها بواسطة الشركات الماليّة الخاصة (Wish Money, OMT..)، وليس عن طريق ماليّة الدولة اللّبنانيّة، وبغياب أي رقابة أو إشراف للدولة اللّبنانيّة على ما يحصل من تحصيل للأموال في هذا المرفق العام، المفتوح كباب للسّرقة والهدر. وطالب المحاميان النيابةَ العامة بالتّحقيق الشامل بهذا الملف، ومعاقبة كل من تبين تورطه، وإلزامهم برّد المبالغ المستولى عليه.
وأشار المحامي علي عباس في حديثه إلى "المدن" قائلًا: "القاضي علي إبراهيم، باشر في التّحقيقات. وهو حاليًّا في صدّد استدعاء المعنيين، وقد تمّ التواصل سابقًا مع محافظ بيروت، باعتباره يتولى مهام رئيس هيئة إدارة السّير، وصرح لنا حينها أنّه مع التحقيق ومحاسبة كل من يخالف القانون، وتحديدًا في مصلحة "النافعة" وكل متورط في استيفاء أموال من دون خدمات فعليّة للمواطنين".
الفساد الموصوف والمنهجيّ
والواقعة هذه، بكل ملابساتها، تحيلنا إلى مفارقةٍ ساخرة مفادها، أنّه في حين ينكب المعنيون من أصحاب السلطة على حماية المتسببين في انهيار أحد أكثر القطاعات العامة إنتاجيّةً، عبر تهفيت الاتهامات أو تمييع الإجراءات بحقهم، لا تزال المؤشرات الدالة على فسادهم تطفو على السّطح. أما الفيصل في هذه القضيّة وباقي قضايا النهب واللصوصيّة والهدر الموصول، والتّعويل على الحؤول دون استمرار هذا الوضع، يبقى بعهدة القضاء اللّبنانيّ الذي أثبت مرارًا وتكرارًا عجزه عن الإتيان بالحكم المعبّر والرادع للفاسدين والمتربحين على حساب المواطن المُفقر.