إرتفاع نسبة العقم "مُخيف": أزمة مُتصاعدة تهدّد مستقبل الأجيال وأسبابها "مكشوفة"!

في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي، يفترض أن يكون الإنسان على وعي كامل بأهمية نمط حياته الصحي، خاصة ما يتعلق بالتغذية السليمة والعوامل التي تؤثر في خصوبته. إلا أن الواقع يعكس صورة مغايرة، حيث تتصاعد معدلات العقم بشكل ملحوظ في لبنان، ما يثير تساؤلات حقيقية حول المحركات الحقيقية وراء هذه الظاهرة.

وبالاستناد الى ما تقدم، فإن السؤال الأكثر تداولا من قبل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي: هل يعود هذا الارتفاع إلى العلل البيئية والتغذوية فحسب؟ أم أن هناك دوافع أخرى، مثل استخدام المنشطات والمكملات الغذائية غير المنضبطة في النوادي الرياضية، التي تلعب دورا أساسياً في تدهور الصحة الإنجابية؟ وكيف يمكن للأزواج المقبلين على الزواج أن يهيئوا أنفسهم بشكل سليم لبناء حياة زوجية وعائلية صحية؟

بناء على ما تقدم، فإن "الديار" كعادتها تفتح أحد اهم الموضوعات الحساسة في الساحة المحلية من خلال تحليل طبي متخصص، لنسبر أغوار المبررات ونبحث عن حلول واقعية، تسهم في الحد من هذه الحالة التي تهدد استقرار الأسرة والمجتمع على حد سواء.

ما هو العقم؟

ما هو العقم؟ يوضح الطبيب النسائي المتخصص في الزرع وطفل الأنابيب والعقم والتنظير الدكتور خليل رمضان، أنّ "هذا الموضوع من القضايا المهمة التي تستحق الاهتمام، واشدد على ضرورة رفع مستوى الوعي لدى الناس، لما له من طابع حساس ودقيق".

وفي ما يتعلق بالعقم لدى الرجال والنساء، سواء الناتج من التغذية أو عن الأدوية التي يتناولها الفرد، أو تلك التي تُستخدم في النوادي الرياضية، يؤكد لـ "الديار" انه: "في البداية لا بد من تحديد مفهوم العقم، لا سيما أن هناك أشخاصا غير متزوجين، وقد لا يعرفون إذا كانوا يعانون من هذا العارض أم لا".

ويشرح: "في جميع الحالات، يُعرَّف العقم بأنه عدم قدرة المرأة على الإنجاب، أو عدم قدرة الزوجين على تحقيق الحمل، بعد مرور اثني عشر شهرا من العلاقة الجنسية المنتظمة من دون استخدام أي وسيلة وقائية. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة العقم عالميّاً تقارب 15% من الأزواج، وتتوزع أسبابه بين 30% لدى الرجال، و30% لدى النساء، و30% تعود إلى أسباب من أحد الطرفين، فيما يبقى السبب مجهولا في نسبة تتراوح بين 10 إلى 15% من الحالات".

التغذية في الصدارة

ويقول: "في ما يخص طبيعة التغذية، فمن الثابت ودون أدنى شك، أن السمنة وكذلك قلّة الأكل يؤثران في انتظام عملية الإباضة، ويؤديان إلى اضطرابها، مما يصعّب حدوث الحمل، سواء زاد الوزن كثيرا أو انخفض بشكل مفرط. كما أن الأشخاص الذين يستهلكون كميات كبيرة من الدهون المشبعة، والسكريات المصنّعة، والنشويات مثل المعكرونة وغيرها من الأصناف التي تندرج ضمن هذه الفئة، فإن ذلك يؤذي القدرة الإنجابية".

نمط الحياة الصحي... أولوية لا تُهمل!

ويكشف أنه "في المقابل تسهم جميع الخضراوات والفواكه الغنية بمضادات الأكسدة، بما في ذلك الحبوب الكاملة، في تحسين نوعية البويضات. من زاوية أخرى، فإن من يعانون من نقص فيتامين (د)، قد يتأثرون بظهور تكيّس المبايض، وحتى في حال خضوعهم لعملية اطفال الأنابيب، فإن هذا يضر بالنتائج".

المحفزات "مدمرة"

ويتطرق إلى "المكملات الرياضية، مثل الستيرويدات البنائية، وهي نوع من المنشطات الهرمونية الاصطناعية التي تُستخدم عادة لزيادة الكتلة العضلية وتحسين الأداء الجسدي. أما عند المرأة، فإن هذه المنشطات، أي الستيرويدات، تكبح عموما وظيفة المبيض، وقد تؤدي أحيانا إلى انقطاع الدورة الشهرية أو حتى إلى ضمور بالمبيض. إلى جانب ذلك، هناك من يتناولون تركيبات غذائية عالية البروتين مثل الـ High Protein أو تركيبات ذات الفورميولا المرتفعة بالبروتينات، وهذه قد تخلّ بتوازن الهرمونات، المعروف بـ "Hormonal Balance"، وهو ما يشيع في وجبات الرياضيين".

بلاسم واسعة الاستخدام "فتّاكة"!

ويعود رمضان ليفصّل قائلًا: "الأدوية التي تؤخذ عادة كالبروفينيد ومضادات الالتهاب (Anti-inflammatory) مثل الإيبوبروفين، قد تؤدي إلى كبح الإباضة لدى المرأة، لكن هذا لا يحدث من تناول حبة أو حبتين، وإنما عند استخدامها لفترات طويلة وبشكل متكرر. كذلك، فإن العلاج الكيميائي (Chemotherapy) يُعد بمثابة سمّ للمبايض، إذ يُضعف عملية الإباضة، وقد يؤدي إلى فقدان القدرة على الحمل، خاصة في الحالات المرتبطة بالأمراض السرطانية".

وينوّه الى أنه "في ما يتعلق بالرجال في النوادي الرياضية، فإنهم أيضا يتناولون منشطات مثل الستيرويدات الأندروجينية والبنائية (Anabolic Androgenic Steroids)، مما يؤدي إلى انخفاض هرمون التستوستيرون الذي تفرزه الخصيتان، فيتوقف افراز الهرمون الذكوري. وينجم عن هذا الوضع ضعف في إنتاج الحيوانات المنوية، لكن من الممكن أن يعود الوضع إلى طبيعته، بعد التوقف عن تناول هذه المنشطات بعد مرور عدة أشهر".

ويشير الى انه "نعطي بعض المرضى أدوية لمساعدتهم على استعادة وظائفهم الطبيعية، فيما يتناول آخرون هرمونات النمو (Growth Hormones)، التي إذا استُخدمت بشكل خاطئ قد تسبب انتكاسة في القدرة الإنجابية بسبب اضطراب التوازن الهرموني".

أنواع "مضروبة"

ويشير الى أن "بعض ممارسي الرياضة يتناولون الكرياتين والبروتين على شكل بودرة، ولكن لا توجد حتى الآن دراسات تثبت تأثير هذين النوعين في الإنجاب. ومع ذلك، هناك احتمال لتلوث هذه المكملات بهرمونات أخرى أو مواد ممنوعة، مما قد يؤثر بشكل غير مباشر في القدرة الإنجابية، وخاصة على إنتاج الحيوانات المنوية عند الرجال. بالإضافة إلى ذلك، فإن النظام الغذائي الغني بالدهون العالية والأطعمة السريعة الـ (Fast Food) يضعف عدد وحركة الحيوانات المنوية. كما أن من يتناولون الصويا أو الفيتواستروجينات التي تحتوي على هرمونات أنثوية، قد تنخفض لديهم الهرمونات الذكورية، مما يؤدي إلى ضعف أو انخفاض إنتاج الحيوانات المنوية".

ويشدد على ان "الأمر نفسه ينطبق على من يشربون الكحول ويدخنون ويتعاطون الحشيش، أو يتناولون أدوية مسكنة للآلام، حيث تؤدي هذه العوامل إلى انخفاض هرمون التستوستيرون، مما يقوّض القدرة الإنجابية".

في البلاد... أزمة خصوبة!

في سياق موضوع الإنجاب المتصل بالتغذية، تقول اختصاصية التغذية جاكي قصابيان لـ "الديار": "من المؤكد لاحظت زيادة في مشكلات الخصوبة في العيادة، إلى جانب مشكلات تكيس المبايض وصعوبة الإنجاب، لكن هذه الأعراض جميعها تكاد تكون بلا سبب واضح. لذا، لا يمكنني الجزم بأن السبب المباشر متعلق بالطعام، ولا يمكننا تحديد المشكلة بدقة في مثل هذه الموضوعات، اذ لا يوجد لدينا دليل دامغ يثبت أن هذه المشكلات الصحية، ناجمة عن الفقر أو الحالة المادية للمريض/ة ، او نتيجة نظام امداد معين يتبعه الشخص".

وتضيف "لا يمكنني أن أقول للمريض إن مشكلته في الخصوبة ناتجة فقط من الغذاء. لكنني لاحظت أنه عند تحسين نوعية النظام وتناول أطعمة معينة مضادة للأكسدة، فإن ذلك يساعده، إلى جانب متابعة الطبيب المختص والعلاج الدوائي وطفل الأنابيب، على زيادة فرص الخصوبة. ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أننا نشهد ارتفاعا ملحوظا في حالات العقم".

أما في ما يتعلق بالمكملات الغذائية التي تُباع في النوادي الرياضية، تجزم قصابيان "بوجود مشكلات صحية ناجمة عن تناولها، ومن بين التأثيرات التي شاهدتها شخصيا الهستيريا، والاكتئاب، ومشكلات في الكبد، وهي شائعة بشكل أوسع بين الرجال".