إستقلال على حافة القلق: النهوض أو الحرب؟

يحلُّ عيد الاستقلال هذا العام ولبنان يقف عند مفترق حاد تتقاطع فيه إشارات التفاؤل الخجول مع مخاوف الانزلاق إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل. فالوضع الحكومي يشهد تقدماً نسبياً في الأداء، والحركة الاقتصادية تنبض ببعض الحيوية بعد سنوات الانكماش القاسي، فيما تبقى الهواجس الأمنية ظلاً ثقيلاً فوق المشهد اللبناني بأسره، مع استمرار التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، واحتمالات توسّع العدوان في أي لحظة.
 
في هذا المناخ المتقلّب، يجد لبنان نفسه أمام اختبار دقيق:
كيف يحافظ على وتيرة التحسن الحكومي، ويمنع في الوقت نفسه انهياراً اجتماعياً واقتصادياً جديداً إذا اندلعت الحرب؟
السؤال ليس بسيطاً، لكن الإجابات لا تزال متاحة إذا امتلكت السلطة شجاعة اتخاذ القرارات المناسبة.
 
لا شك أن الحكومة الحالية نجحت في تحقيق بعض الانفراجات، سواءٌ في ضبط المالية العامة نسبياً، أو في تخفيف الضغط عن القطاعات الإنتاجية، أو في إعادة فتح قنوات التواصل مع الدول العربية والصناديق الدولية. لكنها ما تزال تواجه إرثاً ثقيلاً من التدهور المؤسساتي، وغياب التخطيط، وتأخر تنفيذ الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها المجتمع الدولي قبل ضخ أي دعم مالي مستدام.
 
أما التحدي الأكبر فيتمثّل في المأزق السياسي المتّصل بملف السلاح غير الشرعي والعلاقة المضطربة بين الدولة وحزب الله، وهو مأزق ينعكس بشكل مباشر على موقع لبنان الإقليمي وعلى قدرته في تجنّب الحرب. فبينما يصرّ رئيس الجمهورية على استعداد لبنان للذهاب إلى التفاوض وفق القرار 1701، تبدو إسرائيل غير مكترثة بأي مبادرة سياسية، وتركّز أولوياتها على ملفات داخلية وإقليمية تجعل التصعيد خياراً مفتوحاً.
 
من هنا، يصبح المطلوب من العهد مساراً مزدوجاً:
أولاً، تعزيز الجبهة الداخلية عبر الإسراع في إقرار الإصلاحات المالية والإدارية، وترسيخ الثقة بالمؤسسات، وتثبيت الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي كحاجز حماية أساسي.
وثانياً، إطلاق مبادرة سياسية داخلية تُعيد توحيد الموقف اللبناني حول استراتيجية دفاعية واضحة، تضع قرار الحرب والسلم بيد الدولة وحدها، وتفتح الطريق أمام معالجة جدية لملف السلاح في إطار توافق وطني شامل.
عيد الاستقلال ليس مناسبة للاحتفال الرمزي فحسب، بل فرصة لاستعادة المعنى الحقيقي للدولة.
فلبنان لن يخرج من مأزقه إلا إذا استعاد استقلاله الفعلي: استقلال القرار، استقلال المؤسسات، واستقلال الإرادة الوطنية عن الحسابات الفئوية.. والصراعات الإقليمية.