المصدر: المدن
الكاتب: أدهم مناصرة
الاثنين 5 آب 2024 13:35:55
فتحت وسائل إعلام عبرية، ملف سياسة الاغتيالات الإسرائيلية لقادة حزب الله وحركة حماس خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وخاضت في نقاش سياقها، وغاياتها، وجدواها..
وانطلقت حَدَثيّاً من عمليتي اغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر، إثر استهداف لضاحية بيروت الجنوبية، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال زيارته طهران.
اغتيال موسوي
وتمثلت أبرز المعالجات الإعلامية العبرية للموضوع، بتقرير لتلفزيون "مكان" الرسمي، بدأ بالإشارة إلى اغتيال هنية، رغم عدم تبنيه رسمياً من إسرائيل، ثم قارب الواقعة باغتيال زعيم حزب الله عباس موسوي قبل نحو 32 سنة، إذ قال التقرير إن "خبر تصفية إسماعيل هنية يتردد صداه في أنحاء الشرق الأوسط، وهذا الحدث يعيدنا من ناحية حجمه إلى العام 1992، حين اغتيل زعيم حزب الله عباس الموسوي".
واعتبر التقرير الإسرائيلي، أنّ هنية ليس الوحيد الذي وصلت إليه "ذراع إسرائيل الطولى"، بل ينضم إلى فؤاد شكر الذي وصفه التقرير بـ"الرجل رقم 2 في حزب الله".
غير أن التقرير حصر حديثه في تلخيص حصاد العقود الثلاثة للاغتيالات التي أعلنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، أي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وليس قبلها، كما أنه خص بالذكر حزب الله وحماس، وتجنّب الخوض في عمليات الاغتيال السرية بحق فلسطينيين وعرب كثر منذ تأسيس إسرائيل، والتي نفذها جهاز الموساد من دون تبنيها رسمياً، لاعتبارات متعددة.
عيّاش.. الافتتاحية
وعلى صعيد حماس، اعتبر التقرير أن إسرائيل افتتحت "سياسة التصفيات" باغتيال يحيى عياش مطلع العام 1996، بصفته من الجيل القسّامي المؤسس، ثم بعدها بعام جرت محاولة فاشلة لاغتيال القيادي في حماس خالد مشعل، عبر تسميمه في العاصمة الأردنية عمّان.. لكن التقرير أكد أن المحاولة الفاشلة فجرت أزمة مع الملك الأردني الراحل، الحسين بن طلال، إذ اضطرت إسرائيل إلى إرسال مضاد للسم؛ لإنقاذ حياة مشعل؛ وذلك بعدما هدد الملك الأردني الراحل بإعدام العملاء الإسرائيليين، إذا لم يتم إرسال المضاد.
وهنا، تحدث رئيس الموساد السابق، داني ياتوم، عن شهادته بشأن تلك الواقعة، فقال إنه "صلّى من أجل نجاح العملية، وأن يموت مشعل، لكن الملك حسين هدد حينها بإعدام عملائي إثر انكشاف أمرهم، وعندها صلّيت كي يعيش مشعل". وأكد التقرير العبري أن إسرائيل أفرجت أيضاً عن مؤسس "حماس" الشيخ أحمد ياسين، بموجب صفقة إفراج الأردن عن العملاء الإسرائيليين قبل 27 عاماً.
العام 2000.. عودة "التصفيات"
بيدَ أن سياسة "الاغتيالات الإسرائيلية" عادت بقوة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية العام 2000، وفق تقرير "مكان"، فاستهلها الاحتلال بـ"تصفية" صلاح شحادة، بوصفه قائد ذراع حماس العسكرية في تموز/يوليو 2002، وبعد ذلك بعام، اغتيال إبراهيم مقادمة. وفي العام 2003 أخفقت عملية تصفية قيادة حماس في قطاع غزة، وقال التقرير إن إسرائيل فشلت في ما تم التخطيط له كـ"أكبر عملية تصفية"، رغم إلقاء طائرات أف-16 قنابل تزن كل منها 250 كيلوغراماً على البيت حيث تواجدت قيادة حماس. والمثير للسخرية أن الرواية الأمنية الإسرائيلية بررت الفشل بأنها لم تلقِ وزناً أكبر من المتفجرات، وإنما قنبلة "صغيرة"؛ لـ"تجنب قتل عدد كبير من الفلسطينيين حينها".
ثم تلتها تباعاً سلسلة عمليات اغتيال استهدفت مؤسس حماس، الشيخ أحمد ياسين، وبعده بعام عبد العزيز الرنتيسي العام 2004، وفي العام نفسه اغتيل المهندس عدنان الغول.
"مرحلة السبات"
لكن عمليات الاغتيال الموجهة والمعلنة دخلت مرحلة "السبات"، وفق التقرير، وقد برر ذلك رئيس الشاباك سابقاً، يعقوب بيري، بإشارته إلى أحد الأسباب، ألا وهو أنهم "كأجهزة أمنية إسرائيلية" خلصوا إلى أن الاغتيالات ليست ناجحة بما فيه الكفاية، ولم تسهم في التقدم الاستخباراتي، وأن الاغتيالات لم تتعدَ كونها "انتقاماً.. وتصفية حساب مفتوح".
وعلق معد التقرير على سياسة الاغتيال، بالقول إنه اتضح أنها لا تؤثر كثيراً، بل بالعكس، وضعت تلك المنظمات الاغتيالات في سياق "رصيدها في النضال الوطني"، عدا أن المنظمات الإسلامية، مثل حماس وحزب الله، لديهما تسلسل هرمي حتى الرقم 11، كي يتم تعويض واستبدال القيادي الذي يُغتال بمَن يخلفه، كما تقول الدوائر الأمنية الإسرائيلية.
أذرع في الخارج
رغم هذا، أشار التقرير إلى أن سياسة "التصفية" امتدت أذرعها إلى الخارج، ووصلت إلى القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي العام 2010، وأثارت الجدل بعد انكشاف أمر العملاء الذين نفذوها.
وفي سياق إقراره بأن "التصفية" لا تفضي دائماً إلى الهدوء، بل يمكن أن تجر ردوداً عليها، استذكر التقرير عملية اغتيال رئيس أركان حماس أحمد الجعبري، باستهداف سيارته في غزة العام 2012، إذ أدت إلى إطلاق جيش الاحتلال حرباً على غزة، أطلق عليها اسم "عامود السحاب".
اغتيال قادة حزب الله
وبعد تسلسل زمني لسياسة الاغتيالات، عاد تقرير التلفزيون العبري الرسمي "مكان" إلى لبنان، كي يُجمِل حصاد الاغتيالات التي استهدفت قادة حزب الله خلال جولة القتال المتواصلة في جبهة لبنان منذ نحو عشرة أشهر، إذ يقول إنه إضافة إلى "تصفية" فؤاد شكر، تم اغتيال سبعة من القادة الميدانيين البارزين في الحزب، منهم قائد وحدة "عزيز" في الحزب الحاج أبو نعمة، وحسن مهداوي من قيادة فيلق القدس الإيراني في لبنان وسوريا، والقائد في وحدة "الرضوان" وسام الطويل، وغيرهم.
وليس بعيداً من الضاحية الجنوبية لبيروت، أدرج التقرير الإسرائيلي، ولو ضمناً، اغتيال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري قبل أشهر، كجزء من معركة أشمل مع حزب الله، وما تسمّيه إسرائيل "محور إيران"، حيث استُهدف في المنطقة نفسها حيث اغتيل فؤاد شكر، بوصفها "منطقة نفوذ" للحزب.
ثم، بث التقرير مقابلة تلفزيونية مع العاروري قبل اغتياله، وذلك لتأكيد استنتاجه بأنّ الاغتيالات ليست "حلاً سحرياً"، إذ قال العاروري في ذلك اللقاء إنه يتوقع استشهاده، من منطلق علمه أن دخول هذا الطريق "له ثمن"، مبيناً أن معظم القيادات المؤسِّسة لحماس قد اغتيل، وأن "هذا ليس غريباً، أو مفاجئاً".
عقيدة "الانتقام" الإسرائيلية
ولعلّ التقرير العبري باستدعائه ما قاله العاروري، يريد إرسال رسالة أمنية إسرائيلية إلى حزب الله وحماس وحلفائهما، ومفادها أن العقيدة الأمنية للاحتلال، تقوم وجودياً على دافع "تدفيع الثمن.. والانتقام في إطار معركة طويلة"، وأن الدوائر الأمنية تعلم جيداً أن "الاغتيالات ليست وصفة سحرية لحسم المواجهة"، لكنها "انتقام ضروري".. وهذا ما عكسه مسؤولون إسرائيليون، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بقولهم إن "كل مَن يمسّ بإسرائيل، سيدفع الثمن".
مع ذلك، طرح التقرير سؤالا بشأن مآلات عمليتي الاغتيال الأخيرتين، اللتين استهدفتا فؤاد شكر وإسماعيل هينة، وهما: "ماذا بعد؟.. فلكل فعل رد مضاد"، وهنا لا يقصد التقرير ردّ حزب الله وإيران فحسب، بل أيضاً ما تروج له أيضا إسرائيل بـ"ردها المضاد والسريع على أي هجوم عليها"، وهو ما يولد شكلاً جديداً من المواجهة التي تكبر ككرة ثلج متدحرجة، قائمة على "الحساب المفتوح.. وردّ يقابله ردّ".
واللافت أن تقرير "مكان" توقف أخيراً عند رواية اغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، لكنه لم يجزمها، رغم إعلان الجيش الإسرائيلي رواية بشأن "تأكيد اغتياله"، وقال التقرير إن "إسرائيل قد تكون قد نجحت في تصفية محمد الضيف في هجوم بخانيونس، أو أنه ينتظر مصيره المحتوم"، وذلك ترويجاً لدعاية إسرائيل بخصوص "عضلاتها الأمنية والاستخباراتية الخارقة"، بدعوى أنها قادرة على الوصول إلى "الضيف وآخرين.. مهما أفلتوا من الاغتيال".
وختم التقرير بالإشارة إلى قائد حماس في غزة، يحيى السنوار، بقوله إنه تحت المتابعة والملاحقة الأمنية، معتبراً إياه "هدفاً أول لإسرائيل".