ليس استهداف إسرائيل لمحيط المستشفيات وفرق الإغاثة بالحوادث العابرة. فاستهداف القطاع الصحي بات متعمّداً بشكل واضح. إذ طال القصف الإسرائيلي على الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية ومنطقة بعلبك الهرمل محيط العديد من المستشفيات، ما اضطرها للخروج عن الخدمة. كما طال القصف فرق الإغاثة والدفاع المدني وراح ضحيته أكثر من مئة مسعف، وأوقع المئات من الجرحى المسعفين. ومع نزوح مئات المرضى وكثافة الجرحى بات القطاع الصحي في مرمى النيران. فهل يواجه خطر الانهيار فعلاً؟
تواجه المستشفيات وعموم القطاع الصحي تحدّيات كبيرة بعد اشتداد المواجهات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، واستهداف الأخيرة لمستودعات مستلزمات طبيّة ومراكز تابعة للهيئة الصحية وفرق الإسعاف. ولا تقتصر تلك التحدّيات على إفراغ عدد من المستشفيات من مرضاها وطواقمها الطبية فحسب، بل أيضاً على نقص في المعدّات الطبية والضغط الهائل على المستشفيات جراء تزايد أعداد الجرحى.
مستشفيات خارج الخدمة وأخرى امتلأت
خرجت 6 مستشفيات رسمياً عن الخدمة وأخرى تعمل على إجلاء مرضاها تدريجياً والبعض توقف عن استقبال مرضى الحالات الباردة. وأولى المستشفيات التي خرجت عن الخدمة هي تلك التي تعرّضت للعدوان الإسرائليلي في الجنوب، وهي مستشفيات مرجعيون الحكومي وميس الجبل الحكومي وبنت جبيل الحكومي وصلاح غندور.
ويُضاف إليها بعض مستشفيات بعلبك، وهي مستشفى المرتضى ومستشفى عاصي الخاص، فقد خرجوا عن الخدمة، حسب نقيب المستشفيات سليمان هارون، أما مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك فقد توقف عن استقبال المرضى، إذ بلغت قدرته الإستيعابية ذروتها، على ما يؤكد هارون في حديثه لـ"المدن".
في ضاحية بيروت الجنوبية أيضاً تعرّض محيط مستشفيات الرسول الأعظم والسان تيريز للقصف الإسرائيلي، ما أوقع أضراراً كبيرة فيها ورفع مستوى المخاطر على المرضى. ويؤكد هارون بأن مستشفى الرسول الأعظم بدأ بإجلاء مرضاه اليوم تجنّباً لأي عدوان جديد. أما مستشفى الساحل، فيعمل بالحد الأدنى من قدرته. كما مستشفى بهمن أيضاً الذي يقتصر عمله على استقبال الحالات الطارئة فقط.
الأزمة بغسيل الكلى والعناية الفائقة
وعلى الرغم من نزوح مئات المرضى من المستشفيات الواقعة في مناطق الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، إلى مستشفيات أخرى في مناطق أقل خطراً، غير أن المستشفيات لم تعجز عن استقبال المرضى والجرحى، وإن كانت تتعرّض لضغط كبير. لكن تكمن المشكلة الأساسية التي تواجهها المستشفيات في صعوبة استقبال المستشفيات الآمنة جميع مرضى غسيل الكلى والعناية الفائقة والتنفس الإصطناعي. فالقدرة الاستيعابية للمستشفيات بلغت ذروتها، بحسب هارون.
ويوضح مصدر من وزارة الصحة في هذا الشأن بأن المستشفيات وإن كانت تواجه صعوبة باستقبال المرضى النازحين في أقسام غسيل الكلى والعناية الفائقة، إلا أنها تقوم بتأمين أماكن لهم من خلال توزيعهم على المستشفيات على كامل الأراضي اللبنانية، بما فيها المتن والكسروان وجبيل والشمال.
ويؤكد هارون بأنه ليس من السهل على المستشفيات أن تستحدث أقساماً جديدة لغسيل الكلى والعناية الفائقة أو التنفس الاصطناعي. فهذه أقسام تحتاج إلى معدات خاصة وأماكن إضافية، يصعب تأمينها جداً خلال فترة قصيرة.
نزوح المرضى
تتزايد الضغوط على القطاع الصحي والاستشفائي عموماً، مع كل تعرّض أو استهداف لمستشفى أو فريق إسعاف. وقد تعرّض مؤخراً محيط مستشفى "الشهيد صلاح غندور" في بنت جبيل لقصف إسرائيلي ما أسفر عن إصابة 15 فرداً من الطاقم الطبي والتمريضي، فخرج المستشفى عن الخدمة ونُقل مرضاه إلى مستشفيات مجاورة. كذلك الأمر في مستشفى تبنين حيث قامت طواقم الصليب الأحمر اللبناني أمس السبت بنقل 9 شهداء و6 جرحى إلى مستشفيات صور. كما تعرّض محيط مستشفى المرتضى في بعلبك للقصف قبل أن يخرج عن الخدمة.
لذلك يرى مصدر من وزارة الصحة بأن كل مستشفى يخرج عن الخدمة من الطبيعي أن يتسبّب بضغط على مستشفى آخر، بصرف النظر عن قدرته الاستيعابية للحالات الباردة، فالمستشفيات تقوم بزيادة الأسرّة على الرغم من الصعوبات التي تواجهها وذلك لاستيعاب الجرحى والمرضى.
استهداف الطواقم الطبية
وبحسب الأرقام الأخيرة لوزارة الصحة التي صدرت منذ يومين، بلغ عدد الشهداء من العاملين في القطاع الصحي 102، إضافة إلى 225 جريحاً وقد تضرّرت 9 مستشفيات و45 مركزاً طبياً و128 سيارة إطفاء أو إسعاف. ويضاف إلى هذه الأرقام عدد من الشهداء والجرحى بين فرق الصحة والإغاثة والهيئة الصحية الإسلامية تم استهدافها في اليومين الأخيرين. وآخرها استهداف مسيّرة إسرائيلية يوم الجمعة طاقم إسعاف الهيئة الصحية الإسلامية قرب مستشفى مرجعيون الحكومي، ما أدى إلى استشهاد 7 أفراد وإصابة 5 آخرين.
ويتخوّف القيّمون على القطاع الصحي في الوزارة والنقابات المرتبطة بالقطاع كنقابة المستشفيات ونقابة الممرضات والممرضين من الاستهدافات المباشرة لعناصر البشرية والمباني، وإن لم يتم القصف مباشر عل المستشفيات إلا أن التعرّض للفرق الصحية ولمحيط المستشفيات كفيل بإيقاع الأضرار والخسائر المادية والبشرية، وهو ما حصل فعلاً مع مستشفيات الجنوب وبعلبك والضاحية.
وكان قد حذّر اليوم نائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان ومنسق الشؤون الإنسانية عمران رضا من "زيادة مقلقة"، في الهجمات على فرق الرعاية الصحية في لبنان. وقال عبر حسابه على منصة "إكس": شهدنا خلال الأيام الماضية زيادة مقلقة في الهجمات ضد فرق الرعاية الصحية في لبنان، ويدفع العاملون في مجال الرعاية الصحية الثمن الأغلى بحياتهم"، مشيراً إلى أن "النظام الصحي على وشك الإنهيار" في لبنان.