المصدر: الراي الكويتية
الخميس 6 تشرين الثاني 2025 01:27:51
تلقّى لبنان، اليوم الأربعاء، أول «الأصداء» من إسرائيل على دعوته إياها إلى مفاوضاتٍ رَحَّبَتْ بها «لكن من دون شروط مسبقة»، في موقفٍ بدا عملياً أنه كرّس «المبدأ» في ذاته وأَطْلَقَ عَلَناً «مفاوضاتٍ حول التفاوض» ومرتكزاته، على وقع احتدامِ «المناخاتِ الحربية» التي تقوم تل أبيب بـ «التحشيد» لها سياسياً وإعلامياً وفي الميدان الذي يشهد تسخيناً متدرّجاً وكأنه «تمرين نار» قبل «معركة أخيرة» قد تقع غداً وربما لن تَقَعَ أبدا.
وجاء «الترحيبُ المشروطُ» الذي أعلنتْه تل أبيب بلسانِ مسؤولٍ عبر قناتيْ «العربية/الحدث»، بمثابة «تحديدٍ لمنطقتها» في مَسارِ تَفاوُضٍ فَرَضَه وَهْجُ التصعيدِ الذي بدأتْه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة «ممرّاً وحيداً» يتيح تَفادي مواجهةٍ واسعة، وإن كان «الهدف واحدا» من أي «طاولةٍ» أو «تَطاوُل بالنار» جديد وهو سحْب سلاح «حزب الله»، بالقفازات وإما «بالقفز» إلى الحرب... الأخيرة.
و«الشروط المسبقة» التي رَفَضها المسؤول الإسرائيلي، هي «الاسم الحَرَكي» لإصرارِ لبنان على أن توقف تل أبيب اعتداءاتها، انسجاماً مع مندرجاتِ اتفاق وقف النار وكمدخلٍ لمُفاوضاتٍ يعني مجرّد قبول بيروت «أياً كان شكلها» خطوةً تَراجُعيةً بعدما كانت اللجنة الخماسية المعروفة بـ «الميكانيزم» هي الإطار لمراقبة تنفيذ اتفاق 27 نوفمبر الذي تَضَمَّن«سلّة»تشتمل على تفكيك البنية العسكرية لـ «حزب الله» جنوب الليطاني وشماله وانسحاب إسرائيل من الأراضي التي دخلتْها في حرب الـ 65 يوماً وإطلاق الأسرى وصولاً إلى حل النقاط المتنازَع عليها على طول الخط الأزرق بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 1701.
ويؤكد ما نُقِل عن المسؤولِ أن تل أبيب لن تَرى بأقلّ من «نموذج غزة» في تَفاوُضٍ أصرّت على أن يبقى «تحت النار» وضغطها، وسط خشيةٍ من أن يكون هذا الموقف الذي أُعلن اليوم الأربعاء، مقدّمةً لتفعيل خططِ التصعيد وإن«المُتدَحْرِج والمنضبط»لضمان انطلاق المفاوضات «بقواعدها وإلا»، وسط اعتقادِ أوساطٍ سياسية أنّ أي طاولةٍ، وبمعزل عن شكلها وطبيعة التمثيل عليها، باتت تتجاوز القرار 1701 واتفاق وَقْفِ النار كما ورقةِ الموفد الأميركي توم براك «التطبيقية» لهما.
وبحسب هذه الأوساط، فإنه في ضوء فشل الـ 1701 واتفاق 27 نوفمبر (الذي اعتُبر إطاراً تنفيذياً للقرار الأممي) في تحقيق الحلّ النهائي وسَحْبِ السلاح، فإن هذين الإطارين لم يعودا صالحيْن لوحدهما كـ «أدوات ناظمة»للتفاوضَ، وإلا كان ذلك بمثابة «دوران في حلقة مفرغة»، الأمر الذي يعني أن سَقْفَ الطاولة بات مَحْكوماً بأن يرسو بالحدّ الأدنى على «اتفاق هدنة (1949) +» في ضوء ارتباط أي تسوية للجبهة الجنوبية في لبنان مع «سلام غزة»وأفق الجنوب السوري و«ترتيباته الأمنية»- وربما ما هو أعمق - التي يَجْري العمل عليها عبر واشنطن.
واستوقف الأوساط نفسها، عدم إشارة المسؤول الإسرائيلي إلى أي موقف من شكل التفاوض، الذي يتفادى الرئيس اللبناني جوزف عون «قفل النقاش حوله» رسمياً، ويحيل تحديدَه الى «الوقت المناسب»، وإن كانت التسريباتُ والمواقف المعلَنة لرئيس البرلمان نبيه بري، تتحدّث عن تَوافُقٍ رئاسي (بما في ذلك مع رئيس الحكومة نواف سلام) على اعتماد«الميكانيزم»كإطارٍ لمفاوضاتٍ غير مباشرة ومع تَطْعيمها بمدنيين تقنيين، وهو ما تردّد أن واشنطن لا تحبّذه وتضغط لمفاوضات مباشرة بلغ براك حدّ المطالبة بأن تُفتتح بـ«ألو»من عون إلى بنيامين نتنياهو.
ولم يتوانَ المسؤول نفسه عن تثبيت«الحديقة الخلفية»للتفاوض المفترَض، والذي دخلت القاهرة أيضاً عبر مدير المخابرات المصري حسن رشاد على خط محاولةِ توفير أرضيته، والقائمة على وضع«المسدس على الطاولة»، إذ أكد«لا نسعى لحرب في لبنان لكن لن نتردد إذا لزم الأمر»، معتبراً«أن حزب الله يعيد تمركزه في الجنوب ما يهدد بحرب جديدة»، ولافتاً إلى أن«هناك تباطؤاً في جمع السلاح في الجنوب اللبناني»، ومؤكداً«بحسب اتفاق 27 نوفمبر لدينا حرية استهداف ما يشكل خطراً على أمننا دون الرجوع للجنة الدولية (الميكانيزم)».
وفي الوقت الذي جاء كلام هذا المسؤول عشية مناقشة مجلس الوزراء اللبناني اليوم، التقرير الثاني للجيش حول الخطة التي بدأ تنفيذها في سبتمبر وتستمر حتى نهاية ديسمبر لسحب سلاح الحزب في جنوب الليطاني (قبل الانتقال إلى شماله)، لم يكن عابراً موقف نائب «حزب الله» إيهاب حمادة الذي أعلن «أن آلية الميكانيزم كانت شكلاً من أشكال التفاوض غير المباشر عبر رعاة دوليين»، مؤكداً أن «القول إن لبنان الرسمي متفق بالكامل على التفاوض المباشر مع إسرائيل غير دقيق».
وتساءل «على ماذا يُبنى التفاوض إذاً»؟ مشيراً إلى أن الحزب وافق على التفاهم السابق لأنه جاء بصيغة متوازنة لصالح لبنان، لكن الحديث اليوم عن صيغة تفاوضية جديدة يُعد ضرباً للتفاهم السابق.
وأكد أن موقف «حزب الله ثابت: لا تفاوض مباشر مع إسرائيل بأي حال، لأن الأخيرة لا تفهم إلا لغة القوة». وشدد على أن «كلفة المواجهة أقل من كلفة التسليم».
وفي موازاة ذلك، تَواصَلَ «التمهيد» الإعلامي لـ «النار» المحتمَلة بالضربات التي طاولت أحد كوادر «قوة الرضوان» الذي اغتيل في الجنوب، عشية اجتماع في إسرائيل اليوم للكابينيت لبحث جبهة الشمال، وذلك بعد اجتماعات (الثلاثاء) أجْراها نتنياهو مع القادة العسكريين وتخللها مناقشة خياراتٍ قُدّمت «للتصرف» في ضوء تحذيرات وتقارير وصفتْها تل أبيب بأنها «خطيرة» حول مواصلة الحزب التسلح وإعادة تأهيل بنيته التحتية في الجنوب، وتهريب صواريخ قصيرة المدى من سوريا، بالإضافة إلى ترميم مبانٍ جنوب الليطاني وملء القرى بعناصر محليين.
وفي حين نقلت صحيفة «معاريف» عن الجيش الإسرائيلي «اننا سنستهدف كل دفاعات حزب الله شمال الليطاني إذا هاجم قواتنا»، برز إعلان الأخير «قمنا باغتيال نحو 20 عنصراً في حزب الله خلال الشهر الأخير».
وكانت القناة 13، أوردت أن براك «منح الجيش اللبناني مهلة حتى نهاية نوفمبر لإحداث تغيير في الوضع المتعلق بقضية سلاح الحزب، وفي حال لم يحدث ذلك فستتمكن إسرائيل من شن هجمات وستتفهّم الولايات المتحدة الأمر».
وأضافت «أن أميركا طلبت من إسرائيل وقف الهجمات في لبنان حتى نهاية هذه المهلة»، وأن «الجيش الإسرائيلي يستعد لجولة قتال قد تستمرّ لأيام عدة ضد حزب الله».
وترافق ذلك مع تسريباتٍ عن أن «صبر إسرائيل يَنفذ» بإزاء تحقيق الحزب في عامٍ تعافياً كان مقدَّراً أنه يتطلّب 15 أو 20 عاماً، كما حيال توسيع نشاطاته شمال الليطاني وانتقاله إلى «بنيةٍ صناعية عسكرية مُكْتَفِية داخل لبنان»، في إشارة إلى أن كل وقتٍ إضافيّ «يشتريه الحزبُ لترميم نفسه وإعادة تكوين مخزونه».