المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
السبت 5 تشرين الأول 2024 01:42:13
هي ليست ككل الحروب السابقة. لا عسكرياً، ولا تقنياً ولا في الأهداف السياسية التي يضعها الإسرائيليون ومن يدعمهم. إنها الحرب التي تريد إسرائيل أن تبدأها باغتيال القادة الكبار والكوادر، وجعل أي شخصية تستعد لتولي منصب معيّن في حزب الله مشروع شهيد. في الأيام الأولى لاندلاع المواجهات خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قائلاً إن كل المقاتلين على الحدود هم مشاريع استشهاديين. اليوم تريد إسرائيل تغيير المعادلة بالقول إن كل المسؤولين أو المستعدين لتولي المسؤوليات من منصب أمين عام وما يليه سيكون عرضة للتصفية والاغتيال. عندما تبدأ الحروب بهذا الشكل، يعني أهدافها ومراميها بعيدة جداً.
نموذج غزّة
ليست إسرائيل في وارد التراجع، ولا يبدو أي تحرّك دولي جدّي قادر على لجمها أو يعارضها بشكل فعلي. تريد استدراج دول المنطقة كلها إلى هذه الحرب، ولا تريد إيقافها عند حدود لبنان. تظّن إسرائيل بجنون عظمتها أنها قادرة على تطبيق نموذج غزّة في لبنان، سوريا، العراق، والهدف ضرب إيران وتطويقها وتقويض نفوذها أو تغيير سلوكها ونظامها. ما يجري في لبنان هو تكرار لما اعتمدته إسرائيل في غزة.
فأولاً، عندما اتخذت قراراً بشنّ العملية البرية في القطاع والبدء بشماله، استمرّت على مدى 27 يوماً في عمليات القصف وبعض التسللات والتوغلات البرية من قبل فرق وقوى هندسية واستطلاعية بالنار ووقعت اشتباكات بينهم وبين فصائل المقاومة، قبل التكثيف الناري الكبير تمهيداً للاقتحام والدخول. السيناريو نفسه يتكرر في لبنان مع فارقين أساسيين، تكبيد القوات المتوغلة خسائر كبيرة، وتجهيزات حزب الله العسكرية ومخزونه كبير جداً، وثانياً يمتلك الحزب طرق الامداد المفتوحة على مناطق متعددة في الجنوب والبقاع وصولاً إلى سوريا، لذا بدأت إسرائيل محاولاتها لإطباق الحصار البري والجوي والبحري.
ثانياً، تكثف إسرائيل من استهداف فرق الانقاذ والاسعاف والدفاع المدني، في محاولة لمنع حصول أي عمليات انقاذ وإفقاد المقاتلين الأمل وتقطيع أوصال الامداد الطبي، بالإضافة إلى استهداف مقرات لهذه المؤسسات في مناطق سكنية وتدميرها بالكامل كإشارة إلى عدم الاستعداد للتراجع وللضرب من دون أي مراعاة للعناصر البشرية. في المقابل تخرج وزارة الصحة والجمعيات المعنية والمسؤولون يومياً بمؤتمرات صحافية وتقارير حول حجم الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين والمرافق المدنية، ومناشدة المجتمع الدولي التدخل، ذلك أيضاً حصل في قطاع غزة ولم يتدخل أحد.
ثالثاً، تعمل إسرائيل على إجهاض كل المحاولات السياسية أو الديبلوماسية للبحث عن صيغة حلّ أو اتفاق ينهي الحرب ويعيد الاعتبار لتطبيق القرار 1701، فيما يطالب الإسرائيليون بتطبيق القرار 1559 ونزع سلاح حزب الله وتغيير الوقائع والموازين السياسية. وهو ما تقوله في غزة أيضاً حول تدمير حركة حماس عسكرياً وعدم السماح ببقائها سياسياً للسيطرة وإدارة القطاع.
رابعاً، كل الكلام الأميركي تجاه العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان يتطابق بشكل كامل مع الكلام الأميركي تجاه غزة، إذ يتم تقديم كل المبررات لتل أبيب في مواصلة عملياتها العسكرية لتحقيق أهدافها، خصوصاً مع تشديد المتحدثين الرسميين الأميركيين على توصيف حزب الله بالمجموعة الإرهابية وبأنه من حق إسرائيل أن تواجهها.
القوة الكبرى و"ضفافها"
عملياً المسار العسكري فتح على مصراعيه، لا سيما عندما تلجأ إسرائيل إلى استهداف اجتماع لقياديي حزب الله وخصوصاً السيد هاشم صفي الدين المرشح لخلافة السيد نصر الله، وذلك يعني إصرار على تصفية القيادة، بالإضافة إلى مواصلة عمليات اغتيال المسؤولين الأمنيين والعسكريين، وربما يكون ذلك تمهيداً لاستهدافات أوسع قد تطال سياسيين من الحزب، الأمر نفسه حصل في قطاع غزة تجاه قيادات من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
تريد إسرائيل أن تجعل من نفسها القوة الأكبر والأبرز في المنطقة، أما الدول الباقية فتريد لها أن تكون "ضفافاً" لها. تلك الإشارة الأهم والتي التقطتها إيران ما دفعها إلى تجديد الحديث حول وحدة الجبهات وتثبيت هذه المعادلة لمنع إسرائيل من تحقيق هدفها ولمنعها من الانتصار، وهو ما تطابق في الرسائل الموجهة في موقف مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامئني، ووزير الخارجية عباس عراقجي. بالنسبة لإيران كما حزب الله وحماس أن هدف إسرائيل من هذه الحرب كان تفكيك الجبهات، وعزل قوى المحور عن بعضها البعض للاستفراد بكل طرف على حدة، وهو ما تواصله تل أبيب، وتعمل إيران على مواجهته ما سيجعل الحرب أطول وأقسى.