المصدر: المدن
الكاتب: أدهم مناصرة
الاثنين 8 أيلول 2025 20:05:10
مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، سمحت وزارة الأمن الإسرائيلية بنشر كتاب عن نصرالله، يجمع بين النظرة العسكرية والأمنية والسياسية والشخصية والنفسية.
كاتبان من الموساد..و"أمان"!
وبفحص مرجعية الكاتبين اللذين توليا مهمة الكتابة عن نصرالله، نجد أن أحدهم يُرمز له باسم "العميد ش."، وهو مسؤول رفيع في جهاز أمن إسرائيلي (الموساد)، وتواجد لسنوات في قلب التقديرات واتخاذ القرارات المتعلقة بالساحة الشمالية. كما شاركت معه في الكتابة مستشارة وباحثة في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" ويُرمز لها باسم "الدكتورة ك."، وتختص الأخيرة في قضايا حزب الله والمجتمع الشيعي وما تسميه "المحور الإيراني"، أي أن الكتاب هو نتاج نظرة تحليلية مشتركة بين "الموساد" واستخبارات الجيش.
ويُرجح أن هكذا كتاب جاء بإيعاز من أعلى مستوى، وليس بشكل ارتجالي من الكاتبين؛ وذلك كحاجة أمنية لإسرائيل لتعزيز "الوعي" لدى أفراد أمنها في فهم "العدو" والتنبؤ بسلوكه مسبقاً، بموازاة اهتمام المؤسسة الرسمية في تل أبيب بجعل الكتاب عاماً، أي يقرأه كل الإسرائيليين لتمكينهم من فهم الواقع المحيط بهم؛ ذلك أن جميع الإسرائيليين عبارة عن جنود في نهاية المطاف.
خطابان عن "الأعداء"
والحال أن إسرائيل تقدم نوعين من الخطاب عن أعدائها، الأول إعلامي دعائي يحاول تسخيف رموز وعناصر المقاومة الفلسطينية واللبنانية والتقليل من شأنهم، والثاني يبدو خطاباً أكثر "واقعية" بحكم الضرورة، لأن إسرائيل تعتقد أنها مضطرة أمنياً لتقديم قراءة حقيقية عن "العدو"، بهدف استخلاص العبر وتحسين أدوات "الردع". وبمعنى آخر، فإن الخطاب الأول مخصص للبروباغندا الهادفة إلى إحباط الجمهور العربي وتضليل العالم، وأما الثاني فيُخصص لتطوير الإدراك المعرفي والأمني بالبيئة العربية والإسلامية المحيطة.
واللافت أن مواقع أمنية عبرية تولت مهمة الترويج للكتاب المكون من 516 صفحة، وعنوانه "نصرالله.. أساطير لا تموت؟"، بسعر مخفض يبلغ "30 دولاراً"، معلنة أنه متاح للطلب المُسبق، مما يؤشر إلى اهتمام المؤسسة الأمنية الإسرائيلية باجتذاب أكبر عدد ممكن من الجمهور الإسرائيلي لقراءة الكتاب.
وعرّفت مواقع أمنية إسرائيلية الكتاب العبري الأول عن نصر الله، بأنه ثمرة تحقيق طويل حول أحد "ألدّ وأشدّ أعداء إسرائيل"، مشيرة إلى أن الكتاب يروي حكاية رجل "يتأرجح بين إيمان متقد وقوة غير مقيّدة، وبين ثقة مفرطة في النفس وقلق وجودي، وبين رؤية ثورية وواقع مهدّد".
"محور دارت حوله عجلة كاملة"
ورصدت "المدن" تلخيصاً قدمته صفحات أمنية إسرائيلية لأبرز ما جاء في الكتاب المُكثّف، حيث يبدأ بالإشارة إلى أن الأمين العام السابق لحزب الله حسن، نصرالله، كان هو "المحور الذي دارت حوله عجلة كاملة، وحين سقط، بدأت الأرض تهتز"، ويُقصد بذلك أن الاهتزاز الحقيقي للمحور كان باغتيال نصرالله، بمنظور الكتاب الإسرائيلي.
ويُقر الكتاب بأن نصرالله لم يكن مجرد قائداً قوياً لحزب الله، بل كان "رمزاً شبه أسطوري للقوة والجرأة والكاريزما والإصرار والتضحية"، واصفاً إياه بـ"المهندس والمحرك" لمحور المقاومة الذي ربط حتى لحظة اغتياله بين "بيروت ودمشق وطهران وغزة وبغداد وصنعاء"، وذهب الكاتبان "ش" و"ك" إلى اعتباره شخصية ليس في الإمكان تجاهل حضورها وتأثيرها في شرق أوسط القرن الحادي والعشرين.
"صورة متعددة الأوجه"
كما تتبعت صفحات الكتاب رحلة صعود نصرالله، من فتى شيعي في ضواحي بيروت، ليشق طريقه إلى "قمم المجد وعمق السر في المحور الإيراني.. حتى أصبح القائد الشيعي الأبرز والأكثر تأثيرا في العالم العربي". كما زعم الكاتبان "ش" و"ك" أنّ التعمق في محطات حياة نصرالله الرئيسية، يكشف صورته "متعددة الأوجه": "رسول ديني وأيديولوجي للملايين.. وعدو لا يرحم كان تهديداً استراتيجياً من الطراز الأول".
وادّعى الكتاب الأمني الإسرائيلي أن ما سرده ليس مجرد سيرة ذاتية أو صورة لـ"عدو"، بل نافذة نحو وعي الرجل وإيمانه وخطواته، خصوصاً أنه حوّل حزب الله بيديه من "جيش ظلّ إلى إمبراطورية"، وجعل من نفسه شخصية اعتُبرت لسنوات طويلة عصيّة على الانكسار، كما جاء في الكتاب الذي قال إنه يروي حكاية التقاء القوة بالإيمان، و"التصادم بين رؤية مهدوية وسيطرة سياسية".. ولرجل صاغ ساحة عمل فيها لعقود طويلة، وبغيابه القسري "زلزل أسسها".
فهم نصرالله.. لإدراك التداعيات
والحال أن الاستنتاج الختامي في كتاب "نصرالله.. أساطير لا تموت؟"، كشف دافعاً آخر لنشره الآن، إذ قال إن نصرالله "ربما أغلق برحيله حساب الماضي، لكنه أبقى أسئلة "ثقيلة الوطأة" حول مستقبل حزب الله ومحور المقاومة والمنطقة كلها، مفتوحة وبلا إجابات مغلقة.
واعترف الكاتبان من الاستخبارات العسكرية والموساد، بأنّ استشهاد نصرالله لم يكن "مجرد نقطة زمنية، بل لحظة تاريخية حرّكت الصفائح التكتونية وأدت إلى تشكل واقع جديد"، كما أكدا ضرورة فهم نصرالله لتفهم انعكاساته الاستراتيجية في الأمس، وإدراك تداعيات غيابه اليوم وغداً.
نتاج حرب ظل طويلة
والواقع أن قراءات عسكرية إسرائيلية اعتبرت أن جزءاً كبيراً من التحليل الوارد في الكتاب عن شخصية حسن نصرالله، هو نتاج معلومات نابعة من حرب ظل واستخبارات بدأتها إسرائيل في اليوم التالي لحرب تموز 2006، أي أن المعركة الإسرائيلية الفعلية ضد الحزب لم تبدأ في 8 تشرين أول/أكتوبر 2025، وإنما قبل ذلك بسنوات طويلة.
مع العلم أن رئيس الموساد السابق يوسي كوهين قال في مقابلة إذاعية قبل 4 أشهر من اغتيال نصرالله، بأن إسرائيل "تعلم مكان حسن نصرالله، لكنها تمتنع عن اغتياله الآن".
أسرار الاغتيال
وبينما تُثار تساؤلات حول كيفية حصول إسرائيل على معلومة "دقيقة" عن مكان نصرالله، وصولاً إلى اغتياله، تدعي تسريبات أمنية عبرية أنّ المعلومة عبارة عن "صورة أمنية" تكتمل بالاعتماد على تكنولوجيا عالية الدقة وعملاء في الميدان.. وهُنا يُطرح سؤال: لماذا اغتال الاحتلال نصرالله في مكان مخصص للاجتماع تحت الأرض وليس في موقع آخر؟
قد تكمن الإجابة في أن الاحتلال أراد أن يغتال في مكان واحد، أكثر من شخصية مركزية ومؤثرة في الحزب، لـ"حسم" المعركة سريعًا!
في كل الأحوال، فإن المعلومات التي تفرج عنها مخابرات الاحتلال مجرد جزء يسير من أسرار عملها، ما يعني أن كثيراً من مهماتها المركّبة تبقى طي الكتمان ولن تكشف عنه إلا بعد عقود طويلة، كما تجلى في كتاب جديد للموساد عن مهماته السرية إبان خمسينيات القرن الماضي، كاشفاً عن طريقة عمل أفراده في دول عربية، أحدهم كخبير زراعي في لبنان حينها.