إسرائيل تُوسّع المنطقة الأمنية العازلة جنوباً.. الاحتلال يحاصر الدولة و"حزب الله" يقيّدها

بات واضحاً أن إسرائيل تثبّت مواقعها في النقاط التي تحتلها في الجنوب، وهي توسع المنطقة المحيطة بها في محاولة لفرض أمر واقع في الشريط الحدودي بما يعيد إلى الأذهان ما كانت تعلنه إسرائيل خلال حربها على لبنان عن هدفها بإقامة منطقة أمنية عازلة تربط القطاع الغربي من الناقورة إلى الشرقي والخيام مروراً بالقطاع الأوسط وامتداداً حتى تلال كفرشوبا ومزارع شبعا وهي المنطقة التي ترتبط بنقاط الاحتلال في الجولان وجبل الشيخ من الجهة السورية. وبالتوازي تصعّد إسرائيل اعتداءاتها ضد لبنان، وتواصل عمليات الاغتيال ضد عناصر "حزب الله" في القرى متحججة بأنهم يعيدون تنظيم أوضاعهم ومنطلقة من تفسيرها الأحادي لاتفاق وقف النار ومتسلحة بما تسربه من حصولها على ضمانات أميركية بحرية الحركة وأيضاً بالتغطية لبقاء الاحتلال في الجنوب.

تمنع إسرائيل أيضاً إعادة الإعمار في المنطقة الحدودية وتروج معلومات أن عدم إنسحابها من النقاط المحتلة سببه عدم التزام "حزب الله" بتطبيق وقف النار، وأن الجيش اللبناني غير قادر على السيطرة، ما يعني أن إسرائيل لديها استهدافات سياسية ضد لبنان تتخطى الأمن، علماً أن الجيش يعمل بالتنسيق مع اليونيفيل على الانتشار وهو دخل إلى مواقع لـ"الحزب" وصادر أسلحة حتى باعتراف الأميركيين حين اعتبر كبير مستشاريهم للشؤون العربية مسعد بولس أن الجيش يقوم بمهماته جنوباً وقطع شوطاً كبيراً في هذا المسار.

تحاول إسرائيل الضغط على الدولة ومنعها من تحقيق إنجازات في الجنوب، إن كان بإخراج قوات الاحتلال أو السير في إعادة الإعمار، والهدف الرئيسي الحصول على مكاسب سياسية من لبنان تؤدي في مرحلة لاحقة إلى توقيع اتفاقية سلام. ولذا تصعّد إسرائيل ضد الحكومة وتضعها وفق مصدر ديبلوماسي في موقف صعب، أكثر مما تضغط على "حزب الله" الذي تستهدفه أمنياً. ويوضح المصدر أن إسرائيل ومنذ اتفاق وقف النار ترفض تطبيق القرار 1701، وتستمر في خروقاتها غير آبهة بكل المقترحات التي قدمت في وقت سابق على انتهاء مهلة 18 شباط الماضي بتسلم النقاط الخمس للجيش اللبناني مع اليونيفيل أو تسليمها للقوات الفرنسية، ورفضت كل الوساطات والمقترحات، ليتبين في ما بعد أن الجيش الإسرائيلي فجّر كل منازل القرى على الحافة الأمامية وحصّن النقاط التي احتلها وشقّ طرقات جديدة على طول الشريط وحوّلها إلى منطقة عازلة، ما يعني أن إسرائيل اليوم توسع احتلالها تحت ذرائع عديدة وتعيد المنطقة بالذاكرة إلى ما قبل عام ألفين. 

يثير هذا الوضع جنوباً مخاوف لبنانية من أن تنزلق الأمور إلى تصعيد أكبر، إذ أن الخطة الإسرائيلية لا تقتصر فقط على الجنوب، بل تمتد إلى الجنوب السوري. ولا يقتصر التصعيد الإسرائيلي على إقامة مناطق عازلة في سوريا ولبنان، بل يهدف وفق مصدر سياسي متابع إلى الضغط على "حزب الله" لإضعافه أكثر ومنعه من إعادة بناء قوته ومحاصرته وقطع طرق الإمداد عنه.

تستمر إسرائيل في ابتداع الذرائع لبقائها في الجنوب، وهي تعمل على تثبيت منطقة عازلة في الشريط، والخطر اليوم هو ما تفعله من ربط الخطوط والطرق من جنوب لبنان إلى سوريا مع تثبيت مواقع استراتيجية للسيطرة لم يعترض عليها الأميركيون، بما يعني أن هناك قراراً إسرائيليا بمنع إعمار المنطقة الحدودية ومنع السكان من العودة. والهدف فرض وقائع على الحكومة اللبنانية والضغط عليها لاتخاذ مواقف ضد "حزب الله" وحتى الوصول إلى تغيير عمل القوات الدولية، وهو ما تطرحه على الأميركيين كجزء من تغيير كل المعادلة القائمة جنوباً وعدم العودة إلى ما قبل 8 تشرين الأول 2023.

يتبين من خلال كل هذه التطورات أن إسرائيل ستبقى في النقاط التي تحتلها ومواصلة الخروقات والاستهدافات، وإحكام سيطرتها، فيما "حزب الله" الذي يحاول إعادة ترتيب أوضاعه يحمّل الحكومة مسؤولية بقاء الاحتلال ويصعد ضدها من دون أن يكون قادراً اليوم على التحرك عسكرياً، لكنه يركز على ترتيب أوضاعه الأمنية. ومن الآن يبدو أن الحزب سيضغط أكثر على الدولة وهو لا يمنحها الدعم لتسهيل عملها، فيما الاحتلال يوسع السيطرة للتحكم بالوضع اللبناني كله.