المصدر: الشرق الأوسط
الكاتب: نظير مجلي
الجمعة 20 كانون الاول 2024 02:12:50
لا يبدو ادعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن الاحتلال الجديد للأراضي السورية «إجراء مؤقت» لغرض حماية أمن الدولة العبرية من هجمات المتطرفين، صادقاً، وخصوصاً بعدما قام جيشه بتدمير القدرات الدفاعية وإلحاق أضرار جوهرية في سلاح الجو السوري وسلاح البحرية وأرتال الدبابات. وفي عهد الصواريخ والطائرات المسيّرة، الأرض لا تكفي لأغراض الدفاع، حتى لو كانت قمم جبال مرتفعة؛ ولذلك فإن هناك أهدافاً أخرى لهذا الاحتلال.
هذه الأغراض ليست واضحة بعد؛ لأن إسرائيل مثل بقية الفرقاء والمتابعين في العالم والمنطقة، لم يتوقعوا انهيار نظام بشار الأسد بهذه السرعة، ولم يتخيلوا أنها تستطيع إلحاق الدمار في جيشه من دون أن تتعرض لطلقة واحدة، ولم يتصوروا أن يكون نفوذ تركيا بهذا العمق، وأن تكون قدراتها العسكرية بهذا النجاح في السيطرة على سوريا.
ومع أن الأدراج الإسرائيلية مليئة بالخطط الحربية الاحتلالية، فإن الأحداث المفاجئة جعلت كل هذه الخطط تبدو «صغيرة» أمام الواقع؛ لذا راح الإسرائيليون يعدون خططاً بديلة، جوهرها فرض حضور قوي يؤهل تل أبيب للفوز بحصة كبيرة من «الكعكة الشامية». وكما يقول الرئيس الأسبق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، تسفي هاوزر، فإن هذه «فرصة لا تحصل إلا مرة واحدة في كل مائة سنة، والاستيلاء المؤقت على المنطقة العازلة في هضبة الجولان، وكذا السيطرة في جنوب جبل الشيخ؛ خطوات تكتيكية لا تشكل جواباً استراتيجياً مناسباً فيه ما يحقق الفرصة الكبرى التي وقعت في طريقنا».
ويدرس مجلس الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، وكذلك العديد من الباحثين في الأمن القومي، كيف يمكن تحويل هذه «الفرصة التاريخية النادرة» لانهيار سوريا، إلى «تحقيق إنجازات كبرى في مدى زمني قصير، بخلاف العادة التي يمكن فيها تحقيق إنجازات صغيرة في فترة زمنية طويلة».
وترى إسرائيل أن من تواجهه اليوم في سوريا، ليس السوريين، بل تركيا. وهي لا تريد أن ترى في حدودها الشرقية دولة، تستبدل فيها السطوة التركية بالسطوة الإيرانية. ومع أن أنقرة تختلف عن طهران؛ كونها عضواً في حلف «الناتو» وتقيم اتصالات مباشرة مع إسرائيل، وكان رئيس المخابرات الإسرائيلية رونين بار، في زيارة لتركيا في 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، وجرى إطلاعه على الهجوم على نظام الأسد... فإن تل أبيب تشعر بأن الرئيس رجب طيب إردوغان استطاع «تتويه» الجميع، وهي بينهم. وقد فاجأها بخططه الاستراتيجية، فقررت التصدي لهذه الخطط، ما دام يتعامل مع سوريا على أنها مسلوبة الإرادة، وينوي تثبيت احتلاله في الشمال السوري، وتحويل بقية سوريا إلى دولة للتنظيمات الإسلامية الخاضعة له واستخدامها أداة لـ«تحقيق هدفه القومي بتصفية القضية الكردية».
مساندة أكراد سوريا
تل أبيب تتصدى لذلك من خلال استعراض قوة كبير؛ أولاً بتدمير الجيش السوري تماماً بعملية حربية ضخمة لم يحدث مثيل لها في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي، وتنفيذ غارات على طول سوريا وعرضها، بما في ذلك مناطق خاضعة للسيطرة التركية حالياً مثل إدلب وحلب، وباحتلال أراضٍ سورية في الجنوب مثلما تحتل تركيا أراضي في الشمال. كذلك، مساندة الأكراد، خصوم تركيا، وعرض الأسلحة عليهم. وقد أبلغتهم إسرائيل استعدادها لمنحهم الأسلحة والعتاد والذخائر التي غنمتها من لبنان وغزة وأسلحة أخرى، لمواجهة الطائرات التركية المسيّرة، ثم توجهت للسوريين الدروز في الجنوب وقدمت لهم عرضاً شبيهاً وأكثر؛ إذ سيطرت على مناطق يمكن أن تنطلق منها قوى المعارضة لمهاجمتهم.
إسقاط حدود «سايكس - بيكو»
ولا تخفي إسرائيل رغبتها في تغيير الجغرافيا السورية وإسقاط نتائج اتفاقيات «سايكس - بيكو» التي رسمت حدود سوريا الحالية، لتصبح أربع دول: واحدة لأتباع تركيا في الشمال، وأخرى للأكراد، وثالثة للدروز، والبقية دولة دمشق الضعيفة. وفي هذه الحالة تقتطع إسرائيل كل مرتفعات الجولان، لتطل من علٍ على الدولتين المجاورتين؛ دولة الدروز ودولة دمشق، وتقطع دابر التأثير الإيراني، وتحد من التأثير التركي.
وبحسب هاوزر الذي شغل منصب سكرتير حكومة نتنياهو في عام 2009، فإنه «على إسرائيل أن تتصرف كقوة عظمى إقليمية، وأن تعمل بشكل نشط، وأن تفكر بالأمور الكبيرة، وأن تثبت حقائق حتى قبل أن يثبتها الآخرون نيابة عنها... تفكير تكتيكي محدود لإنجازات عسكرية مركزة، أو جلوس على الجدار، ميز إسرائيل في العقود الأخيرة، سيبتلع في تغيير واقع استراتيجي تمليه قوى عظمى إقليمية أخرى، وعلى رأسها تركيا. إن عمل إسرائيل في المجال السوري لا ينبغي أن يختبر حيال واقع الأمس، بل حيال واقع الغد».
وفي هذا السياق، حذر خبراء إسرائيليون آخرون من خطر احتكاك عسكري مع تركيا على أرض سوريا، مؤكدين أن تصرفات الجيش على الأرض يجب أن تلائم تطورات محتملة كهذه. فإذا فهمت تركيا أن الجيش الإسرائيلي موجود بقوة في سوريا، وأنه مستعد فعلاً للقتال ولا يتهرب، كما كان يفعل قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، سترتدع.
لهذا، فإن الممارسات الإسرائيلية في سوريا ليست مؤقتة، بل تستهدف البقاء طويلاً حتى تتضح تماماً صورة الوضع هناك، أو تتوصل إلى تفاهمات مع تركيا، حول تقاسم النفوذ. فهي تراها فرصة تاريخية من ذلك النوع الذي لا يحدث سوى مرة واحدة في كل 100 سنة؛ ما يعني أنه لا يجوز إضاعتها. وفي الشهر القادم، عندما يدخل دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، سيحاول نتنياهو الدخول في سباق على قلبه، مع إردوغان، حتى يضمن كل منهما دعمه وتأييد مخططاته.