تتصدر اسبانيا لائحة الدول الاوروبية "الجريئة" التي اتخذت موقفاً مؤيداً لانشاء دولة فلسطينية، وذهب أركان الحكومة في دعم الموقف، الى الحدود القصوى، حين قالت وزيرة اسبانية إن فلسطين ستتحرر من البحر إلى النهر، ما استدعى رداً اسرائيلياً مندداً.
لكن اجتزاء ردة الفعل الاسرائيلية، واعتبارها مقتصرة فقط على الرد السياسي والاعلامي، هو نصف الحقيقة.. فما اختبرته وزارة الخارجية الاسبانية قبل أربعة اشهر في بيروت، يثبت العنجهية الاسرائيلية، والممارسات الاقصائية التي تنتهجها تجاه دولة دعت للالتزام بالقانون الدولي، ووقف المذبحة القائمة في غزة، ودعم السلام، فردّت عليها اسرائيل بتصعيد مفاجئ، انكشف أول ملامحه في بيروت.
ما غيّبه الاسرائيليون عن الاعلام، أن وزير الخارجية الاسباني مانويل ألباريس بوينو، حين زار بيروت في 24 كانون الثاني/يناير الماضي، لم يقم بزيارة الى مقر قيادة الكتيبة الاسبانية العاملة ضمن "اليونيفيل" في الجنوب، وهو تقليد غالباً ما كان وزراء أو مسؤولن بارزون من الدول الاوروبية المشاركة في بعثة "اليونيفيل" يقومون به لدى زيارة لبنان، وكان آخرهم وزير الخارجية الفرنسي في الشهر الماضي.
وللمفارقة، فإن قيادة البعثة الاممية في هذا الوقت، يتولاها جنرال في الجيش الاسباني، كما يشارك المئات من جنودها ضمن البعثة.
تبين، حسب معلومات "المدن"، أن الوزير ألباريس بوينو، كان يعتزم زيارة مقر الكتيبة الاسبانية في "اليونيفيل" الواقعة في ابل السقي في قضاء مرجعيون بجنوب لبنان. لكن قوات الاحتلال، رفضت اعطاء مروحيته الاذن للتحليق الى الجنوب، كما قالت مصادر لبنانية رسمية واسعة الاطلاع، ما دفعه لالغاء الزيارة.
ويعني الرفض الاسرائيلي لتعليق الحظر الجوي ضمن ترتيبات أمنية مع "اليونيفيل"، أن الاحتلال لن يكون مسؤولاً عن أي خطر يمكن تتعرض له مروحية القوات الدولية والمسؤول الاسباني جراء أي قصف أو تفعيل لمنظومات الدفاع الجوي فوق الاراضي اللبنانية أثناء تحليقها.
الاعتراف بدولة فلسطينية
بدا هذا الرفض لوقف اطلاق النار المؤقت في جنوب لبنان، أو تعليق حظر التحليق في المنطقة لساعات قليلة، إسوة بالمعمول به لدى زيارة أي مسؤول أوروبي لقيادة "اليونيفيل" في الجنوب، بمثابة إمعان في الهجوم على اسبانيا التي كانت منذ ذلك الوقت، داعمة للاعتراف بدولة فلسطينية.
فعند وصول وزير الخارجية الاسبانية الى بيروت، قال بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي: "بعد أن دانت اسبانيا الاعتداء الإرهابي الذي تعرضت له إسرائيل اعتمدنا موقفا مناهضا للارهاب وكثفنا عملنا من احل السلام. كما أننا نركز على حل الدولتين وتطبيق هذا الحل والاعتراف بدولة فلسطين. معاناة الفلسطينيين في غزة لا تحتمل ولا يمكننا أن نسمح بذلك، ولا مشاهدة المزيد من النساء ومن الأطفال الفلسطينيين يعانون كل هذه المعاناة". كما قال آنذاك: "اقترحنا دعوة عاجلة لعقد مؤتمر دولي للسلام. ودعت دولتنا الى حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين واقعية وقابلة للحياة".
اليوم يحاول الاعلام الاسرائيلي نقل "التنديد الاسرائيلي" بخطوة اسبانيا، ولا يأتي على ذكر محاولات الاعتداء على حق الخارجية الاسبانية بزيارة ممثليها ضمن بعثة السلام العاملة في الجنوب. وتالياً، تسعى لمعاقبة أي طرف لا يدعم سرديتها تجاه الحرب، واعتداءاتها المتواصلة على الفلسطينيين، وعلى حقهم بالسلام وبأن يكون لهم دولة.
تصعيد ضد اسرائيل
موقف الحكومة الاسبانية، وبمعزل عن الردود والتنديد والاعتداءات الاسرائيلية، تمضي في تصعيدها لاثبات موقفها الداعم لحق الفلسطينيين بإعلان دولة، ودعم خطوات وقف الحرب.
وقالت وزيرة الدفاع الاسبانية أخيراً إن الوضع في قطاع غزة "إبادة جماعية حقيقية". وأشارت الوزيرة إلى أن بلادها لا يمكنها تجاهل الوضع في القطاع مشددة على أن السلام أولوية القوات المسلحة الإسبانية والحكومة.
وجاء هذا التصريح بعد تصريح آخر لنائبة رئيس الوزراء الإسباني يولاندا دياز، قالت فيه إن فلسطين ستتحرر من البحر إلى النهر، قبل أن يثير التصريح غضب اسرائيل التي أصدر وزير خارجيتها يسرائيل كاتس بيانا الجمعة، وصف فيه يولاندا دياز بأنها "جاهلة وكلها كراهية". كما أعلن كاتس "منع القنصلية الإسبانية في القدس من تقديم الخدمات للفلسطينيين".
وبعد إعلان رئيس حكومة اسبانيا اعترافه بدولة فلسطينة، دافع عن الموقف، متسائلاً في تصريح أمام البرلمان: "عل ايرلندا والنروج و140 بلداً آخر، داعمون للارهاب؟"، في رد على اتهامات اسرائيلية لحكومته بدعم الارهاب.