إسرائيل من غزّة إلى الضفة... هدفان للتصعيد وتحضير لأرضية جديدة؟

تتسم الحركة الإسرائيلية لرسم الشرق الأوسط الجديد بالديناميكية السريعة، فبعد وقف النار مع "حزب الله" أطلقت إسرائيل توغلها في جنوب سوريا، وبعد إنهاء الحرب مع "حماس" بدأت عملياتها في الضفة الغربية، وكل الحروب هدفها تغيير موازين القوى والبدء بتنفيذ المشاريع الإسرائيلية الاستراتيجية في المنطقة، القائمة على بسط النفوذ والسيطرة على الموارد طبيعية وتغيير موازين القوى الإقليمية والدولية.

عمليات الضفة الغربية التي انطلقت بعد اتفاق وقف النار في غزّة لا تنفصل عن مشهدية الشرق الأوسط، وإذ قدّم الإسرائيليون روايات متعدّدة، بينها مساعي ضبط حالات العنف المتنقل بين الفلسطينيين والمستوطنين وشن عمليات مسبقة ضد "حماس" التي تنشط في جنين وفق ما نقلت صحيفة "ذا إكونوميست"، يبقى الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي السيطرة على الضفة وفرض السيادة عليها.

مزيد من الفوضى

الكاتب السياسي محمد هوّاش يرى في حديث الى "النهار" بعدين للعمليات الإسرائيلية، البعد الأول "وضع الضفة في ظروف لا تسمح للفلسطينيين بالاحتفاء بخروج الأسرى من السجون الإسرائيلية، وبالتالي منع رسم أي صورة تظهرهم كأنهم لم يخسروا الحرب"، والبعد الآخر "تعميق مشاريع الاستيطان ما من شأنه نسف أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية"، وهي مقدمة لفرض السيادة الإسرائيلية.

يترقب هواش مزيداً من الفوضى في المرحلة المقبلة حتى الانتهاء من تنفيذ صفقة تبادل الأسرى في إطار بعده الأول، ويرصد تصاعداً في منسوب الضغط الإسرائيلي، فيكشف عن وجود 898 حاجزاً وبوابة حديدية وساتراً ترابياً بين القرى والمدن، تتسبب بانتظار الفلسطينيين لأكثر من 3 ساعات عند كل نقطة.

فرض السيطرة والسيادة

تنقل وكالة "أسوشييتد برس" وجهة نظر تقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يلتف على الضغوط التي يواجهها" من اليمين الإسرائيلي المتطرف الرافض صفقة غزّة، من خلال إشعال الضفة ساعياً الى تقويض قوّة "حماس" والفصائل القريبة منها، وسيطرة السلطة الفلسطينية، وبحسب الوكالة، يضع الفلسطينيون هذه العمليات وتوسيع المستوطنات في إطار تعزيز السيطرة الإسرائيلية على المنطقة.

تستغل إسرائيل الظرف الإقليمي والدولي المواتي لتوسيع هامش تحركاتها وتنفيذ مشاريعها الاستراتيجية، فبعد إضعاف محور إيران ووصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تجد إسرائيل "فرصاً ذهبية" وجب استغلالها، ويريد اليمين الإسرائيلي "ضرب أي إمكان لقيام دولة فلسطينية وسن تشريعات تعمّق السيادة الإسرائيلية في الضفة، وبالتالي إنهاء مفاعيل اتفاق أوسلو وغيره"، وفق هواش.

وثمّة أهداف جانبية تحقّقها إسرائيل من خلال عملياتها في الضفة الغربية، إلى جانب ضرب الفصائل المسلّحة المدعومة من إيران، أي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، منها تقوّيض مكانة السلطة الفلسطينية الساعية الى تأدية دور في حكم غزّة، وإظهارها بموقع "الضعيف وغير القادر على حكم الضفة الغربية"، وبالتالي نقل صورة مفادها أن السلطة الفلسطينية "غير مؤهلة" لتكون بديلة من "حماس" في غزّة، في رأي هواش.

في المحصلة، يبدو أن عمق التركيز الإسرائيلي انتقل من غزّة إلى الضفة الغربية، سعياً الى تطبيق مشاريع جديدة، ومن المرتقب أن تكون الضفة، ذات الأهمية الاستثنائية في العقلية الدينية اليمينية العبرية، ساحة الصراع الجديدة وإن اتخذ أشكالاً مختلفة، وبالتالي فإن الأنظار ستشخص الى الميدان الفلسطيني الجديد ومآلاته في سياق الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.