إسناد إيراني لـ"حزب الله" في ارتداده على خيار لبنان بالتفاوض مع إسرائيل

لم يكن عابراً الدخولُ الإيراني الوازن، على خطّ «مؤازرة» حزب الله بوجه التهديدات الإسرائيلية التي «فاضتْ» في اليومين الأخيريْن بإمكان توسيع الضربات حتى عمق بيروت في حال لم يتم سَحْبُ سلاح الحزب أو مضى الأخير في «اللعب بالنار»، والتي تَقاطَعَتْ مع تحذيراتٍ أميركية للبنان الرسمي من استمرار المماطلة في بتّ هذا الملف وتفويت فرصة الانخراط في مفاوضات مباشرة مع تل أبيب تُفضي إلى حلٍّ مستدام.

وما جَعَلَ «الإسنادَ» الإيراني خصوصاً بلسان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي على لاريجاني يكتسب أهميةً خاصة، أنه اتكأ على المواقف الصادمة للموفد الأميركي توم براك الذي كان أكد (السبت) الطابعَ «العاجل جداً» لمسار سَحْبِ السلاح على قاعدة «الوقتُ يَنْفذ» ومع «تغطيةٍ» ضمنيةٍ للتصعيد الإسرائيلي الراهن وربما «ما بعده»، في ما بدا محاولةً لـ «رَبْطِ نزاعٍ» مباشر بين طهران وواشنطن في ما خصّ مصير الذراع الأبرز لإيران في المنطقة، أي حزب الله، الذي باتت اللعبة تدور واقعياً على «رأسه»، سواء في الميدان المرشّح لموجات عنفٍ عاتية جديدة أو على الطاولة التي يشكل الحزبُ وترسانته جوهر أي مفاوضاتٍ عليها، مهما اتسعتْ «قائمةُ البحث» والعناوين «الحدودية» والأمنية.
وبكلام لاريجاني عن أن «المبعوث الأميركي براك أدرك صعوبة نزع سلاح حزب الله، ما دَفَعَه إلى إطلاق تهديدات صريحة»، قام المسؤولُ الإيراني وفق أوساط سياسية مطلعة برفْع «بطاقة صفراء» مزدوجة، أولاً بوجه مجمل مسار سَحْبِ السلاح حيث أَعْلى عملياً «صعوبةَ» أن يحصل ذلك سواء وفق الدينامية اللبنانية لقرار تفكيك ترسانة الحزب أو أي حرب إسرائيليةٍ جديدة، وثانياً بوجه عملية التفاوض الشائكة التي يحاول لبنان الرسمي تَلَمُّسَ طريقِ شَقِّها.

واعتُبر موقف لاريجاني بمثابةِ إضافةِ «أشواكٍ» إلى مسار التفاوضِ، الذي يُراد أن يشكّلَ «البابَ الخلْفي» لوقف التصعيد واحتواء «الانفجار الكبير»الذي تلوح «رياحه السبّاقة» تباعاً، إذ إن تأكيده «صعوبة» نزع السلاح، بالتوازي مع تشديد المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي على أنّ «لبنان يحقّ له الدّفاع عن أمنه وكرامته، ومن الطبيعي أن يملك جميع الوسائل الضّروريّة لحماية سيادته وعزّته»، يعمّق تجريدَ لبنان الرسمي من «قوة التأثير» على ملفّ السلاح في أي مفاوضاتٍ، كما يَعكس ما يشبه «قرعَ الطبول» في ملاقاةِ أي جرعة تصعيدٍ إسرائيلي جديد.

وما أضفى المزيد من الأبعاد المهمة على الاندفاعة الإيراني أمران:

- الأول أنه تزامَن مع مخاوف من جبهة جديدة أو قديمة - جديدة قد تُفتح في المنطقة، وعبّر عنها ما كُشف عن تحذير تلقّته بغداد من البيت الأبيض وتضمن تهديداً مباشراً للفصائل المسلّحة الموالية لطهران في حال انخرطت في أي ردّ على ما تعتزم واشنطن القيام به في المنطقة القريبة من العراق خلال الأيام المقبلة، وسط خشية لم تُسقِطْها مصادر متابعة من أن تكون إيران نفسها جزءاً من «مسرح العمليات».
- والثاني ما بدا «خطوة تراجُعية» علنية من «حزب الله» في ما خص ملف التفاوض الذي كان أبدى مرونةً نسبية فيه غداة دعوة الرئيس جوزف عون الجيش للتصدي لأي توغُّل إسرائيلي بري، وهو ما تجلّى في المناخات عن توافُق رئاسي على اعتماد لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) أي ما يُعرف بـ «الميكانيزم» التي تضمّ جنرالات من الولايات المتحدة (قائدة اللجنة) وفرنسا ولبنان وإسرائيل و«اليونيفيل» كإطار لمفاوضات غير مباشرة مع تطعيمها بمدنيين تقنيين.

لكن عضو المجلس السياسي في الحزب محمود قماطي سأل «لماذا يريدون من لبنان أن يتفاوض مع العدو الإسرائيلي ما دام هناك اتفاق موجود وإسرائيل تمتنع عن تنفيذ أي بند من بنوده منذ نحو سنة؟ وبالتالي على الدول الراعية للاتفاق أن تحقّقه وتنجزه وتضغط على العدو لينفذه، ثم نبحث لاحقاً في كل الأمور داخلياً ولبنانياً بالتعاون مع كل المسؤولين والرؤساء الثلاث الآن وفي المستقبل، وعليه، فإننا في الوقت الذي نتمسك فيه بسلاحنا، فإننا نمد يدنا للتعاون والتفاهم داخلياً مع كل أفرقاء البلد وشركائنا في الوطن»، مؤكداً «متمسكون بالمقاومة ولو استشهدنا جميعنا».

وفي الإطار نفسه، لفت نائب «حزب الله» حسين الحاج حسن إلى أن «هناك اتفاقاً حصل في 27 نوفمبر 2024 ولبنان التزم به، ولكن العدو لم يلتزم به، وبالتالي، لماذا يطلب البعض من لبنان الذي نفذ الاتفاق المزيد، ولا يُطلب أي شيء ممن لم يلتزم بالاتفاق شيئاً»، مضيفاً: «على العدو أن يلتزم باتفاق وقف النار، لا سيما الانسحاب من النقاط الخمس، ووقف اعتداءاته اليومية، وإطلاق سراح الأسرى بلا مقابل، وعندئذٍ نذهب كلبنانيين لمناقشة إستراتيجية أمن ودفاع وطني من أجل الدفاع عن البلد»، لا أن نبدأ من نقطة «ي» قبل أن ننتهي من النقطة «أ».

ومن هنا اعتُبر هذان الموقفان معطوفان على كلام لا ريجاني وبقائي بمثابة عودةٍ إلى «مربّعِ» أن إيران لن تفرّط بورقةِ «حزب الله» أو تتيح مناقشتها من خارج اكتمال اللوحة في ما خصّ مصيرها الذي بات على المحكّ منذ حرب الـ12 يوماً في يونيو الماضي وموقعها في «الشرق الجديد» الذي يتشكّل على قاعدة أن لا مكان لها فيه إلا «داخل حدودها»، وأن «حزب الله» يرتاب من أي تَفاوُضِ، مهما كان شكله وطبيعة التمثيل فيه، لأنه لن يكون عملياً إلا على سلاحه وبما يجعل سحْبه في إطارٍ من «التدويل» المستنسَخ عن«نموذج اتفاق غزة»وفي «يد» الرئيس دونالد ترامب شخصياً عوض أن يكون في سياقٍ داخليّ يتيح له هوامش مناورة «محظورة» مع الكاوبوي الأميركي.

وفي موازاة ذلك، برز ما نقلتْه قناة «الحدث» عن مصادر قريبة من الحزب لجهة أنه «ليس في وارد أي تعديل على اتفاق وقف النار حالياً»، وهو ما يعنيه واقعياً أي تفاوض سيكون على تسوية شاملة، و«أن الحزب قد يردّ بحال الاجتياح البري».

وإذ تحدثت القناة عن «أن الموافقة على تحرّك الجيش اللبناني شمال الليطاني قد يجنّب ضربة إسرائيلية»، علماً أن الجيش ينفذ حالياً المرحلة الأولى من خطة سحب السلاح التي أقرّتها حكومة الرئيس نواف سلام في جنوب الليطاني وتستمرّ حتى نهاية ديسمبر، نقلت عن مصادر الحزب «أن تحرك الجيش اللبناني شمال الليطاني قد يحصل ولكن ضمن اتفاق لاحق»وأن«الحزب متمسك بالاتفاق مع إسرائيل الذي يشمل جنوب الليطاني حصراً»بما يعني إحياء تفسير اتفاق 27 نوفمبر على أنه محصور بجنوب النهر على عكس القراءة الأميركية والإسرائيلية التي تستند على مقدمة صريحة بهذا المعنى.

خيار التفاوض

وفي الوقت الذي تستعدّ حكومة سلام لمناقشة التقرير الشهري الثاني للجيش عن مَهمته جنوب الليطاني، لم يقلّ دلالةً اليوم الإثنين، موقف جديد لبراك بدا بمثابة حض متكرر على تفاوض مباشر بين لبنان وإسرائيل لتفادي«الأسوأ»، وعدم حماسة لمفاوضاتٍ غير مباشرة وبمستوى مدني متدنّ، حيث بلغ الأمر بالمبعوث الأميركي حدّ التوجّه مباشرة إلى الرئيس اللبناني والقول له «فليتصل الرئيس جوزيف عون بـ (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو ويتفقان على التخلص من كل الرواسب».

في الأثناء، كان عون يعلن أمام زواره أن «ليس أمام لبنان إلا خيار التفاوض، ففي السياسة هناك ثلاث أدوات للعمل وهي الدبلوماسية والاقتصادية والحربية». ورأى أنه«عندما لا تؤدي بنا الحرب إلى أي نتيجة، ما العمل؟ فنهاية كل حرب في مختلف دول العالم كانت التفاوض، والتفاوض لا يكون مع صديق أو حليف بل مع عدو».

وأضاف «لا أعمل في السياسة بل أنا رجل دولة، والبعض يعتبر لبنان ملكاً له فيما اعتبر نفسي ملكاً للبنان».

وترافق هذا المناخ مع احتدام «الخشونة» الإسرائيلية في الميدان والتهديدات. وفي حين استهدفت غارة قيادياً في «حزب الله» في منطقة الشرقية - الدوير (قضاء النبطية) قضى وجُرح 7 أشخاص، وطاولت أخرى دراجة في عيتا الشعب ما أدى إلى سقوط ضحية، استمرّت عاصفة الإنذارات من تل أبيب حيث أبلغ مصدر أمني «القناة 12» العبرية، أنّ «الأمور إذا لم تتحرّك في أثناء الأمد القريب في لبنان، سيرتقي الجيش درجة، وسيبدأ بالهجوم مع رفع المستوى في الأراضي اللبنانية»،كاشفة أن«ذروة التوتر بجبهة الشمال ستكون بعد شهر من الآن عند انتهاء مهلة نزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني».

كما نسبت «القناة 14» إلى مصدر سياسي أنّ «المستوى العسكري الإسرائيلي، سيوصي المستوى السياسي بالمصادقة على تنفيذ عملية عسكرية/ كنوع من ضربة عسكرية ضدّ حزب الله، لإضعافه بعدما عاد ورممّ نفسه».

سيناريوهات متعددة

أما صحيفة «معاريف»، فأوردت نقلاً عن مصدر إسرائيلي «هناك احتمال لأيام من القتال ضد حزب الله والجيش يستعدّ لسيناريوهات متعددة على الجبهة الشمالية وأنّ «الاستخبارات رصدت نشاطاً متزايداً لحزب الله في عدة مناطق لبنانية بينها شمال الليطاني والبقاع وجنوب بيروت» وأن الحزب يعمل على إعادة بناء «قوة الرضوان» وإخراج أسلحة من مخابئها التي كانت إسرائيل قصفتها سابقاً.

وكان لاريجاني قال إنّ «برّاك أدرك صعوبة نزع سلاح حزب الله، الأمر الذي دفعه إلى إطلاق تهديدات صريحة». وأضاف إنّ «برّاك تحدث بشكل إستفزازي وصريح قائلاً»إما أن تلتزموا بما نطلبه أو ستُواجهون الهجوم من إسرائيل«، وتابع:»برّاك الذي يتحدث بسهولة ويُفصّل نياته، قال عند وصوله لأول مرة إنّ أمامكم 60 يوماً، وعليكم نزع سلاح لبنان وما إلى ذلك، لكنه أدرك بعد ذلك أن هذا غير ممكن، فغضب وشتم مرات عدة. كما قال أخيراً «إما أن تستمعوا إلى ما نقوله أو أنتم تعلمون، أي أننا سنطالب إسرائيل بضربكم». بدوره، لفت الناطق باسم الخارجية الإيرانية إلى أنّ «التهديد المتكرّر للبنان ليس جديداً، بل مستمر منذ وقت طويل. ومنذ بدء اتفاق وقف النّار حتى اليوم، سجّل أكثر من خمسة آلاف انتهاك من قبل الكيان الصّهيوني لشروط الهدنة».وأكّد أنّ «لبنان كبلد مستقل ذات سيادة، يحقّ له الدّفاع عن أمنه وكرامته. ومن الطّبيعي أن يمتلك مثل هذا البلد جميع الوسائل الضّروريّة لحماية سيادته وأمنه وعزّته».