إضراب المتعاقدين في "اللبنانية": الرابطة خذلتهم والإدارة تواصل استعبادهم

فك عشرة أعضاء من رابطة العاملين في الجامعة اللبنانية إضراب المدربين والموظفين المتواصل منذ نحو أسبوعين، وذلك من دون العودة إلى مجلس المندوبين.

خلافات وانقسامات في الرابطة
قرار فك الإضراب، الذي صدر مساء أمس، كان بمثابة فضيحة في الرابطة، لا سيما وأن الاجتماع الذي عقدته الهيئة التنفيذية كان مخالفاً للنظام الداخلي، كما أكد موظفون لـ"المدن". فمن أصل نحو 24 عضواً في الهيئة التنفيذية للرابطة (سبق وانسحب منذ أكثر من سنة 7 أعضاء مسيحيين بسبب خلافاتهم مع باقي المكونات) اجتمع 13 عضواً من أصل 17 عضواً متبقين. ومن أصل 13 عضواً مجتمعين انسحب اثنان، بعدما أقدم عشرة أعضاء على التصويت لصالح فك الإضراب. وانسحب العضوان بسبب التصويت المخالف للنظام الداخلي (حضر أقل من ثلثي الأعضاء). وقد طالب بعض الأعضاء زملاءهم بالعودة إلى مجلس المندوبين قبل اتخاذ القرار، ورفض طلبهم. ثم جرت محاولة من أعضاء مجلس المندوبين لتصويب المسار والضغط على الهيئة التنفيذية لعدم فك الإضراب. وصوّت نحو 350 متعاقداً ضد فك الإضراب. لكن القرار اتخذ، وكانت النتيجة استقالة 10 أعضاء من مجلس المندوبين. وعليه انقسمت الرابطة بين من بقي مصراً على الإضراب ومن التزم وعاد إلى الدوام اليوم الإثنين في 14 نيسان.

طعن ووفق تنفيذ عقود العمل
يتزامن فك الإضراب بهذه الطريقة المستغربة مع تقديم المحامي علي عباس طعناً إلى مجلس شورى الدولة لوقف تنفيذ القرار رقم 27 الصادر عن رئاسة الجامعة، الذي يتضمن الشروط الجديدة للعقود. فقد حدد القرار شروط التعاقد من خلال استبدال كلمة ساعة (في العقد القديم) بكلمة "وحدة ساعة" بالعقد الجديد. وهو بمثابة تلاعب لغوي لمواصلة إرغام الموظفين على العمل بالسخرة، الذي سبق وأبطله شورى الدولة بالقرار رقم 499. فقد تبين لمجلس شورى الدولة حينها أن العقود الموقعة تخالف القانون اللبناني والدستور وشرعة حقوق الإنسان لناحية فرض العمل على المدربين من دون أجر، أي العمل بالسخرة.

واقع حال المدربين والموظفين المتعاقدين (أكثر من 1500 موظف) هو أن غالبية أعضاء الرابطة والهيئة التنفيذية هم من المتعاقدين. وينطبق عليهم القرار رقم 27 الآنف الذكر، الذي يجبرهم على العمل لدوام كامل (35 ساعة أسبوعياً) فيما تدفع لهم الجامعة نصف الأجر. بمعنى أوضح تلزم الجامعة المتعاقد بالعمل نحو 1800  ساعة في السنة وترغمه على توقيع عقود لتقاضي الأجور عن 750 ساعة كحد أقصى. ورغم ذلك لا تحرك الرابطة ساكناً حول هذا الموضوع، الذي يشكل فضيحة قانونية، على الرغم من أنها الجهة النقابية التي يفترض بها أن تدافع عن حقوقهم، كما يقول مدربون لـ"المدن".

ووفق معلومات "المدن"، طلب المحامي علي عباس، نهاية الأسبوع الفائت، من شورى الدولة وقف تنفيذ القرار لأنه مخالف للقوانين والدستور وحقوق الإنسان، وفيه تلاعب بقرارات شورى الدولة السابقة. بيد أن الفضيحة تكمن بأن رئيس الجامعة بسام بدران وضع في بناءات القرار رقم 27 أنه قدم استشارة لشورى الدولة وحصل على رأي إيجابي حول القرار. وثم أخذ توقيع وزير التربية عباس الحلبي على القرار ونشر في الجريدة الرسمية على أساس أن شورى الدولة وافق على مضمون القرار 27. وصدرت العقود الجديدة على هذا الأساس.

وتكشف مصادر مطلعة أن رأي شورى الدولة مغاير تمام لما هو معلن. فقد فند "الشورى" القرار وعاد وأكد أنه لا يمكن الجامعة مخالفة مبدأ "لا عمل من دون أجر" وإلزام المتعاقد بالدوام الرسمي أي 35 ساعة أسبوعياً، وبمعدل 1800 ساعة سنوياً، فيما تعويضه المالي الشهري يحدد مقابل أجر يتراوح بين 450 و750 ساعة سنوياً. وطلب شورى الدولة في الرأي الاستشاري حذف المادة العاشرة من القرار 27، التي تحدد العمل وفق مبدأ "وحدة ساعة" وليس ساعة عمل. ووحدة الساعة هذه تلاعب لغوي لتشغيل الموظف ساعتين وأكثر لقاء أجر عن ساعة واحدة.

في رأيه نسف شورى الدولة القرار من الأساس ورغم ذلك مضى رئيس الجامعة به، وحصل على توقيع وزير التربية بداية وموافقة الحكومة. وفي انتظار إصدار شورى الدولة قرار وقف تنفيذ القرار 27 (إلى حين اتخاذ الحكم المبرم) رفع مدربون كتاباً يتضمن كل تفاصيل المخالفات القانونية وغير القانونية إلى وزيرة التربية ريما كرامي. ووقع الكتاب أكثر 300 موظف أكدوا فيه أن الجامعة تجبرهم على "الاستمرار بالعمل القسري والسخرة"، وأنها وضعت عقود "مخالفة لقرارات شورى الدولة والدستور اللبناني والقوانين العامة". وأنها تمارس عليهم أسلوب استعباد حديث.

ووفق المعلومات يفترض أن تلتقي كرامي هذا الأسبوع مع وفد من المتعاقدين لعرض الملف وتحديد سبل التحرك لوقف هذه المهزلة مع رئيس الجامعة.

الرابطة تفك الإضراب
وكانت الهيئة التنفيذية لرابطة العاملين قد أصدرت بيانًا، مساء أمس، دعت فيه إلى تعليق الإضراب "انطلاقًا من أن السبب المباشر للتحرك المفتوح قد انتفى، والمستحقات المالية باتت بحكم المدفوعة، وأن المطالب الأخرى شهدت تقدمًا مهمًا وتسير في الاتجاه الصحيح، ولكنها بحاجة لبعض الوقت المتعلق بالمسار الروتيني الرسمي".

وأكدت أنها أوصلت الصرخة إلى جميع المسؤولين واستطاعت "تحقيق خطوة استراتيجية فيما يخص خطة تثبيت المدربين عبر تقديم كتلة التنمية والتحرير مشروع قانون معجل مكرر لتثبيتهم عبر مباراة محصورة". كما استطاعت "بالتعاون مع الوزارة ورئيس الجامعة رفع قيمة الإنتاجية إلى 400 دولار، مع وعد بزيادتها أكثر إذا تأمنت الأبواب المالية لذلك". وبما يتعلق بمرسوم منحهم أربعة أضعاف الراتب فقد بات قيد التنفيذ، فيما منحهم ضعفين إضافيين على الراتب لمساواتهم بالقطاع العام فهو بحاجة لإجراءات إدارية فقط. وبما يتعلق بالقرار 27 (أي العقود)، فقد جرى التوافق مع رئيس الجامعة على وضع مسودة تتضمن كل الملاحظات".

بعد هذا البيان، تصاعدت صرخة المدربين والموظفين المعترضين، وصدر بيان عن "مجموعة من المندوبين في الرابطة"، اعترضوا فيه على قرار "بقايا الهيئة التنفيذية" لفك الإضراب. واستهجنوا فك الإضراب مجانًا، وحمّلوا "بقايا الهيئة التنفيذية المسؤولية الكاملة عن أي نكسة تتعرض لها قضيتهم نتيجة القرارات المذبذبة المتخذة في اجتماعات فاقدة للنصاب وللشرعية التمثيلية". ودعوا "رئيس مجلس المندوبين للعودة إلى قواعد الرابطة لاتخاذ القرار المناسب بناءً على نقاش ديمقراطي حر وشفاف".