المصدر: النهار
الكاتب: جاد فياض
الاثنين 20 كانون الثاني 2025 08:26:48
سيكون ملف إعادة الإعمار في غزّة أولوية بعد انتهاء الحرب، لأن النسبة الأكبر من سكّان القطاع فقدت منازلها وتعيش في مخيّمات نزوح إثر الحرب التي دمّرت أيضاً معظم المؤسسات التربوية والصحية والتجارية والخدماتية، ما أفقد المنطقة مقوّمات العيش الأساسية، لكن عملية إعادة الإعمار دونها عقبات كثيرة.
ينقل تقرير لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية بعض الأرقام، فالحرب خلّفت أكثر من 50,8 مليون طن من الأنقاض التي يتعين إزالتها، وهو رقم يفوق حجم الأنقاض الذي خلفته الحرب في أوكرانيا، "وإذا عملت أكثر من 100 شاحنة بدوام كامل، فستستغرق عمليات رفع الأنقاض أكثر من 15 عاماً"، وفق تقرير سابق لوكالة "الأونروا".
تقدّر تكلفة إزالة الأنقاض بنحو 970 مليون دولار، حسب الصحيفة البريطانية، فيما كلفة إعادة الإعمار إلى 80 مليار دولار، والعملية قد تستغرق فترات طويلة، وفيما يقول تقرير صحيفة "صنداي تايمز" إن إعادة بناء المنازل قد تستمر حتى عام 2040، فإن تقريراً للأمم المتحدة يشير إلى أن إعادة غزّة إلى ما كانت عليه قبل الحرب قد تستغرق أكثر من 350 عاماً إذا استمر الحصار.
أزمة الحكم
التأخير مردّه أسباب مترابطة، فالكلفة مرتفعة والدول المانحة لا تفي كافة التزاماتها، وهي أساساً غير متشجعة لإعادة إعمار منطقة تتعرّض كل بضع سنوات لحرب مدمّرة وغير خاضعة للسلطة الفلسطينية، وبالتالي فإن المخيمات المترامية الأطراف على طول الساحل قد تصبح سمة دائمة للحياة في غزة، مع احتمال فشل عملية إعادة الإعمار.
يعي المجتمع الدولي هذه العوائق، إذ دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية وتولّي إدارة غزّة، لكن أحد المسؤولين العرب الذي أرسلت بلاده مساعدات إلى غزة في السابق قال لصحيفة "صنداي تايمز": "لقد رأينا كل مساعدات إعادة الإعمار السابقة تُدمّر"، علماً بأن دول الخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان أبرز الجهات المانحة.
نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة يشير إلى أن الدول تريد "التواصل مع جهة رسمية فلسطينية" لإطلاق عمليات إعادة الإعمار، لكن مع غياب السلطة الحالية عن غزّة و"إصرارها على أنها مسؤولة عن العملية ووجوب أن تحصل من خلالها"، وانقسام البيت الداخلي الفلسطيني، فإن خريش يقترح "تشكيل لجنة شعبية وطنية فلسطينية تعمل بإشراف الأمم المتحدة".
تردّد دولي
في عام عام 2014، تعهّدت الدول بتقديم 5,4 مليارات دولار مساعدات لغزة، نصفها لعمليات إعادة الإعمار على مدى ثلاث سنوات. وبحلول عام 2017، لم يصل سوى جزء ضئيل، بسبب الحصار الإسرائيلي على القطاع وفرض شروط صارمة على المواد التي يمكن لـ"حماس" استخدامها، علماً بأن الدول كانت بطيئة في متابعة تعهداتها بسبب الحروب المستمرة.
الأطراف الدولية المموّلة الأساسية قالت إنها متردّدة في الإسهام مرة أخرى بعمليات إعادة الإعمار دون مسار تفاوضي لحل سياسي ينهي دائرة العنف، وفق "صنداي تايمز"، لكن خريشة يتوقع خلال حديثه مع "النهار" مؤتمرات دولية ومشاركة دول خليجية على رأسها الإمارات وقطر، لكنه يطالب بتعهد إسرائيلي بعدم تكرار الحرب.
في المحصّلة، فإن عملية إعمار طويلة الأمد منتظرة في غزّة، ومن المرتقب أن تغيّر هذه العملية وجه القطاع الذي دُمّر تدميراً كاملاً، لكن التحدي الأكبر سياسي، فالأنظار تتجه إلى سلطة الحكم الجديدة في القطاع وكيفية إدارته، ونحو الأفق السياسي والعسكري بين غزّة وإسرائيل.