إعادة إعمار لبنان تبدأ من القصر الجمهوري!

يدرك جميع اللاعبين السياسيين في لبنان، يتقدمهم "الثنائي الشيعي"، أنّ إعادة إعمار ما هدمته الحرب التي فتحها "حزب الله" ضد إسرائيل، قبل أن ترتد وبالاً عليه وعلى اللبنانيين عموماً وبيئته الحاضنة خصوصاً، لا يمكن أن تبدأ قبل أن ينتهي استحقاق إعادة بناء السلطة التنفيذية في لبنان، وحجر الزاوية فيها انتخاب رئيس للجمهورية، يملأ الفراغ المستمر، منذ الحادي والثلاثين من تشرين الأول 2022.

وهذا الربط بين بدء ورشة إعادة إعمار ما تهدم وإعادة بناء السلطة التنفيذية، ليس ربطاً تقنياً، بل هو ربط سياسي- ديبلوماسي بامتياز، ذلك أنّ الدول التي يتطلع الجميع إلى مساهماتها المالية لتوفير خمسة مليارات دولار على الأقل، لن تقدم قرشاً واحداً، إذا تمّت إعادة "بلاد الأرز" إلى "المعادلات السابقة"، لأنّه، والحالة هذه، فإنّ كل ما سوف يُعاد بناؤه لن يكون بمنأى عن مخاطر إعادة التدمير مجدداً، بدليل أنّ لبنان، ما كاد ينهض من تحت ركام حرب تموز 2006، حتى عاد ووجد نفسه، في ظل دولة عاجزة، تحت ركام حرب أيلول 2024.

وعليه، لا بدّ من النظر إلى موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، على قاعدة استراتيجية، إذ إنّ المعادلات "التوافقية" التي كانت ممكنة قبل الحرب الأخيرة، لن يكون لها أي مردود إيجابي على "البيئة المدمّرة"، إذا نجحت في فرض نفسها على الجميع!

وفي الواقع، إنّ أيّ رئيس جديد للجمهورية لا يملك الأهلية والصدقية والثبات، للتصدي لمعادلات الماضي التي يحاول "حزب الله" إنقاذها، وفق ما تظهره مواقف الشيخ نعيم قاسم، سوف يتسبب بتفاقم المأساة التدميرية التي تبعت كارثة إفلاس الدولة.

وليس سرّاً أن سوريا الجديدة، سوف تكون، على الأقل، منافسة للبنان، في استقطاب الاهتمام العربي والدولي، وبالتالي، فإنّه، في حال انحرفت السلطة اللبنانية، عن تعهداتها الاستراتيجية، فإنّ ما يرصد لها من مساعدات وهبات وقروض، في "زمن القلة العالمي"، يمكن أن يتحوّل، بشخطة قلم، إلى سوريا، خصوصاً إذا ترجمت قيادتها الجديدة نظرية "الحياد العملي" إلى حقائق ميدانية وعسكرية، وأمنية، وسياسية، ودستورية.

إنّ رئيساً جديداً للجمهورية، لا يملك القدرة على قيادة الدولة اللبنانية، نحو "احتكار السلاح" و"احتكار قرار السلم والحرب" و"احتكار السلطة الحدودية"، لن يحقق الأهداف التي من أجلها يسعى اللبنانيون إلى ملء الفراغ الرئاسي.

ولإنجاز هذا الهدف، لا بد من البحث الدقيق، ولو اقتضى هذا بذل تضحيات سياسية، عن مرشح يتمتع بأهلية الصمود في وجه ضغوط "حزب الله" وأن يكون مستقبله متحرراً من ماضيه.

وهذه أمور يفترض برئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يتسلّم، حالياً، دفة القيادة الشيعية أن يهتم بشأنها، إذ إنّ الدمار الذي لحق بالبيئة التي خالف من أجلها القوانين، لا يمكن تجاوزها بالبحث عن مكاسب سياسية آنية تفيد "حزب الله" في وقت لاحق، ليُبقي لبنان في "المحور الإيراني" الذي يتطلع، في حال نجا من المخاطر المحدقة به، إلى إعادة تأهيل "الشعوب"، أي القوى الموالية له، للهيمنة على قرار الدول.

ويدرك بري أنّ الجميع يعرفون أنّ جديته هذه المرة في عقد جلسة مثمرة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية باتت تقوم على معادلتين: الأولى، وهي الأساسية، الحد من الخسائر، قبل أن تثبت المعادلات الجديدة التي أنتجتها حرب "حزب الله" الخاسرة نفسها، والثانية، وهي ملحقة ولم تكن في البال عند اختيار التاسع من كانون الثاني موعداً للانتخابات الرئاسية، وتتمثل في سقوط نظام بشار الأسد لمصلحة قوى تناوئ إيران و"حزب الله" العداء!

إنّ قطع الطريق على رئيس فاعل لمصلحة إنتاج رؤساء ضعفاء أمام "المحور الإيراني" سوف تكون انعكاساته سلبية على اللبنانيين عموماً والشيعة خصوصاً، لأنّ المعادلات التي كانت قبل الحرب وقبل سقوط نظام بشار الأسد، أصبحت مضرة، إذ إنّ الحاجة لم تعد محصورة بإنقاذ لبنان من كبواته المالية والاقتصادية -وهذا ما لم يكن "الثنائي الشيعي" معنيّاً به في زمن هيمنة "حزب الله" عليه- بل باتت أوسع من ذلك وتتصل بقدرة الطائفة الشيعية على العودة إلى حياة طبيعية!

إذاً، همّ الرئاسة كبير، ووحدهم الكبار يمكنهم أن يتجاوزوا هذا القطوع بما يؤمن مصلحة لبنان العليا، على حساب مصالحهم الأنانية والسياسية وصراع الأحجام!

وفي هذا السياق، لا بدّ من الإنصات جيّداً إلى الحكماء وأصحاب التجربة، ولذلك، فإنّ مراجعة شخص مثل الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، الذي انتهى عهده، على الرغم من طبيعته المسالمة، على خصومة حادة مع "حزب الله"، تبدو ضرورية، لأنّ المطلوب "أكل العنب" وليس "قتل الناطور"!