إعادة الإعمار غير مطروحة إيرانياً!

تكشف التطورات الأخيرة في المنطقة عمق التغيير الذي أصاب الإقليم بأسره في أعقاب الحرب التي بدأت مع عملية "طوفان الأقصى" في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣.

فالنقاشات الحادة والخلافات التي طفت على السطح في البرلمان الإيراني يوم الأحد الماضي بين الرئيس مسعود بزشكيان والمرشد علي خامنئي حول التفاوض مع الولايات المتحدة، دلت على أن النظام في طهران يعاني تشققات كبيرة على أعلى المستويات. وقد برزت التشققات أكثر في أعقاب عزل وزير الاقتصاد، ثم مسارعة المستشار الرئاسي محمد جواد ظريف إلى تقديم استقالته من منصبه، في خطوة تصعيدية في سياق إدارة الخلافات بين الجناح المتشدد في النظام الذي يقوده المرشد علي خامنئي والحكومة والعناصر الأكثر انفتاحا وبراغماتية التي تحلّقت حول بزشكيان، في محاولة لإخراج النظام من شرنقته، ولاسيما في المرحلة الأخيرة حيث تعرض المشروع التوسعي الإيراني في الإقليم بقيادة "الحرس الثوري" لهزيمة تاريخية كبيرة على يد إسرائيل وخلفها الولايات المتحدة، نتجت من خسارة نفوذها في كل من غزة ولبنان وسوريا دفعة واحدة.

إلى ذلك، حوصرت فصائلها في العراق، وتم التضييق على حكومة محمد شياع السوداني المنبثقة من كتلة "الإطار التنسيقي" التي تمثل "الحشد الشعبي" في البرلمان.

وما من شك في أن مطالب الولايات المتحدة التي باتت أكثر إلحاحا لجهة الإصرار على  نزع سلاح الفصائل المرتبطة بـ"الحرس الثوري"، والضغط على مالية الدولة العراقية التي عملت لسنوات في مواجهة سبّبها تمويل إيران بالعملات الصعبة عبر الالتفاف على العقوبات الأميركية والدولية. هذه المطالب أسهمت ولا تزال في خنق النفوذ الإيراني في العراق، وتحجب عنه مصادر دخل وتمويل غير مرئي شديدة الأهمية. ولعلّ العقوبات التي صارت أكثر صرامة بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قلّصت إلى حد كبير صادرات النفط الإيرانية في البحار العالية، إضافة إلى استمرار احتجاز الأموال الإيرانية في المصارف العراقية والقطرية وغيرها، بما حال دون تغذية الخزينة الإيرانية بنحو ٢٠ مليار دولار. ومن المهم مراقبة الوضع في الداخل الإيراني الذي يقترب من نقطة الانفجار الداخلي بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة.

ما تقدم هو محاولة للإضاءة على موضوع يتعلق بوهم المساهمة الإيرانية في إعادة إعمار الجنوب والضاحية والبقاع. فـ"حزب الله" يزرع في عقول بيئته أن إيران تريد أن تتكفل بإعادة إعمار ما هدمته إسرائيل في الحرب. الكلفة قد تتجاوز ١٠ مليارات دولار. والحزب المذكور يزرع في عقول جمهوره أن ثمة من يمنع التمويل المنتظر، ويحاول أن يحرف الأنظار نحو الدولة اللبنانية وتحميلها المسوؤلية الحصرية عن الإعمار، تمهيدا لتحويل غضب الناس من إحجام إيران والحزب إلى الدولة التي تمنع إعمار البيوت.

والحقيقة أن إيران تكتفي بتمويل محدود للماكينة العسكرية والأمنية للحزب، ولن تقدم دولارا واحدا لإعادة الإعمار. والحزب يكذب حين يروج أخبارا مفادها أن إيران تريد لكنّ الدولة اللبنانية تمنعها. إنهم يحضرون لاستخدام الشارع وتحويل الأنظار عن الأوهام الإيرانية!