المصدر: النهار
الكاتب: محمد صلاح
الثلاثاء 19 تشرين الثاني 2024 07:31:59
أفرزت خطايا الإعلام وأدلجته لصالح أجندة إيران، النتائج الكارثية نفسها التي أفضت إليها صفقة أجهزة البيجر التي اشتراها "حزب الله" ليؤمن اتصالاته فانفجرت في عناصره.
يسود اعتقاد لدى قطاع عريض من العرب بأن الأساليب التي اتبعها الإعلام الموالي لإيران، الناطق بالعربية، في تغطية ومتابعة وتحليل الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ثم في مرحلة لاحقة العدوان على لبنان، أضرّت بالقضية الفلسطينية وزادت من تأثير الحرب على الفلسطينيين، وصبّت في النهاية لصالح إسرائيل. كما سبّبت، الأساليب هذه، كوارث للبنان واللبنانيين، ليس فقط لما جرى ترويجه من تضخيم لقوة حركة "حماس" وتأثير إيران و"حزب الله"، ولكن أيضاً لأنّ قطاعاً عريضاً من العرب تعرّض لصدمة كبرى عندما ظهر ألّا الحركة ولا الحزب كانا يملكان أدوات لاستخدامها كعامل ردع لإسرائيل، أو كان لديهما القدرة على إحراج رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، بل بأفعالهما ساهما في إنقاذه من الإطاحة به من منصبه ومحاكمته وربما سجنه.
ومنذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، ومع الشرارة الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، اعتمد ذلك الإعلام مساراً، يحتفظ به حتى الآن، يقوم على المبالغة في عرض كلّ عملية لـ"حماس" و"حزب الله"، والإيحاء بأنّها تؤثر على القرار السياسي للحكومة الإسرائيلية، أو ستؤدي إلى كبح جماح الجيش الإسرائيلي عن مواصلة جرائمه ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين، وتضخيم نتائج "طوفان الأقصى" و"وحدة الساحات"، والإسهاب في اختراع النتائج الإيجابية لها. كما اعتمد الإعلام هذا تغييبَ السلبيات التي أفرزتها، وتعلِيَة سقف طموحات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، أولاً بأنّ العملية ستُحقّق نجاحات كبيرة للمسار السياسي بما سيفضي في النهاية إلى إقامة الدولة الفلسطينية وتحرير القدس! ثمّ في مرحلة لاحقة تعظيم قدرات "حزب الله"، إذا قررت إسرائيل فتح الجبهة الشمالية على الانتصار، واستغلال ردّات الفعل في المجتمع الإسرائيلي والإيحاء بأنّها ستنتهي إلى إطاحة حكومة نتنياهو وخضوع وفود التفاوض الإسرائيلية لشروط "حماس" و"حزب الله". هذا بالإضافة إلى الاستمرار في اعتماد خطاب يزرع الفتن في المجتمعات العربية ويدين الحكام العرب والشعوب بدعوى أنّها عجزت عن الضغط على حكّامها لدخول حرب ضدّ إسرائيل، وتصوير العرب كمتخاذلين عن نصرة المقاومة والفلسطينيين، وبالطبع التركيز على مصر والسعودية ودولة الإمارات لتصفية الحسابات مع الدول الثلاث التي كانت اتخذت مواقف صارمة لمنع التوسع الإيراني والإرهاب الإخواني.
المتخصّصون في الإعلام لاحظوا، على مدى سنوات، الأساليب غير المهنية التي تتبعها الفضائيات والصحف الموالية لإيران وأذرعها في معالجة القضايا المهمة ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، والأخبار والمعلومات المغلوطة التي يجلس الناس طوال الليل أمام أجهزة التلفاز ليتابعوا تداعياتها، رغم أنّها لم تحدث أصلاً، أو جرى تحويرها أو تضخيمها أو "دسّ" سمّ الفتنة والتحريض بين مفرداتها.
الإعلاميون والصحافيون الحريصون على قواعد المهنة وأخلاقياتها كذلك لا يتوقّفون عن توجيه الانتقادات لذلك الإعلام، فكان ردّ الفعل دائماً، من قنوات تلفزيونية وكتائب إلكترونية ومواقع صحافية تابعة لتنظيم الإخوان أو حركة "حماس" أو "حزب الله" أو عرب يقيمون في دول غربية، يصل حدّ الهجوم عليهم ليكونوا في مواجهة فوهات تنطلق منها تهم التخوين والعمالة أو التطبيل والنفاق.
يُحمَّل الصحافيون والإعلاميون في المنظومة الإعلامية الموالية لإيران جزءاً من المسؤولية عن الانفلات والارتباك والتخبّط الذي تعانيه المقاومة الآن، إلى زملائهم في قنوات أو صحف أو منصات محايدة أو على الأقلّ تعرض الأخبار والمعلومات بصورة مجرّدة من الانحياز أو قل التلوين. ولا يخجلون من النتائج التي أفضت إليها الحسابات الخاطئة لـ"حماس" و"حزب الله" وما أفرزته من كوارث كانوا هم أصلاً سبباً في وقوعها حين استمرّوا على مدى عقود ينفّذون أجندة إيرانية قائمة على إضعاف الدول العربية وإسقاطها وزرع الفتن بين ثنايا أنسجة مجتمعاتها.
أفرزت خطايا الإعلام وأدلجته لصالح أجندة إيران النتائج الكارثية نفسها التي أفضت إليها صفقة أجهزة "البيجر" التي اشتراها "حزب الله" ليؤمّن اتصالاته فانفجرت في عناصره. تماماً كما "نفخ" الإعلام الإيرانيّ الهوى في قدرات "حماس" و"حزب الله" فرفع الطموحات، وانتهى إلى تحويل الأحلام إلى كوابيس عظيمة.
صحيح أنّ نتنياهو لا يحتاج إلى مبررات لارتكاب المذابح والتنكيل بالفلسطينيين، لكنّ هذا الإعلام منحه الفرصة لمخاطبة الغرب بأنّ مذابحه وجرائمه بمثابة دفاع في مواجهة عنف الفلسطينيين وقدرات المقاومة وتسليحها. وهو استغلّ مبالغات الإعلام الموالي لإيران وبالتبعيّة، إلى "حماس" و"حزب الله"، في قوّة المقاومة الفلسطينية في غزة ونوعية تسليحها والأفلام والأوهام عن شبكة الأنفاق واستحالة الوصول إليها أو السيطرة عليها، والأهوال التي ستصنعها صواريخ "حزب الله"، ليزيد من توحّشه ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين.