المصدر: المدن
الكاتب: لوسي بارسخيان
الأحد 24 كانون الاول 2023 18:43:40
خلال الإعلان عن انتقال تشغيل مطمر زحلة الصحي إلى مرحلة استخدام الطاقة البديلة، التي جُهز بها عبر برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP الممول من صندوق التنمية الكويتي، تحدث رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب عن ما يعكسه استمرار استقطاب هذه المنشأة الإنمائية البيئية التي تخدم مدينة زحلة و26 قرية في قضائها، للدعم الدولي، كنتيجة لإدارتها المستدامة. خصوصاً أن هذا المطمر بات الوحيد بحجمه الذي لا يزال شغالاً على مستوى لبنان، على رغم كل الظروف التي مر بها.
مشاريع البلديات
المقاربة التي انتهى إليها زغيب حينها تقول بأنه "حيث يلمس المجتمع المانح جدية في العمل وإستدامة، يمول". وعليه، أسدى زغيب نصيحة للبلديات ولسائر مؤسسات الدولة الساعية لتأمين الهبات لمشاريعها، بأن يسعوا بعملهم الجدي لبناء الثقة مع المجتمع المانح. وهذا واقع يعتبر صحيحاً لدرجة معينة، وخصوصاً إذا ما جمعناه إلى كلام ممثلة برنامج UNDP قيل أيضاً بمناسبة الإعلان عن قرب انتهاء تمويل إيطاليا لتشغيل محطة الصرف الصحي في زحلة، والتي نشأت أيضاً بتمويل من برنامج التعاون الإيطالي. سمع الحاضرون تحذيراً من أن فشل السلطة اللبنانية بإدارة هذه المنشأة سيحدد سياسات دعم الدول وتمويلاتها اللاحقة لمثل هذه المشاريع في لبنان. وأما فشلها فمن شأنه أن يثبط عزيمة المانحين المحتملين في المستقبل. وبالتالي، كانت الدولة الإيطالية وسفارتها تبحث في سبل ضمان عدم ضياع كل الجهود والأموال التي أنفقت في تجهيز هذه المنشأة، متى انتقلت إلى إدارة محلية. في وقت بدا واضحاً من الكلام الذي قيل، بأن الدولة لا تملك إمكانيات إدارتها، وليس لديها حتى خطة لتأمين استدامة تشغيلها من دون تمويل خارجي. وهذا ما يضعنا أمام معادلة أخرى موازية لمقاربة زغيب، نتيجتها أنه حيث لا يوجد أموال من الصناديق الداعمة، لا يوجد مشاريع بالأساس. لا بل يذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليقول، إنه بغياب التمويلات والهبات التي تصل إلى لبنان عبر الجهات المانحة، ينهار عدد كبير من المؤسسات التي لا تزال تحافظ على الحد الأدنى من كيانها بفضل المنح.
الأمثلة التي قد يبحث عنها القارئ كثيرة. ويكفي توسيع دائرة البحث إلى خارج نطاق البلديات التي انعدمت قدراتها جميعها على تنفيذ المشاريع، ما لم يكن ذلك بتمويل مباشر وهبات تقدم خصوصاً للمجتمعات الحاضنة للنازحين السوريين. وعليه قد يتطور الحديث إلى التطرق لمشاريع أقنية الصرف الصحي التي تنفذ حالياً في منطقة البقاع عبر وزارة الطاقة والمياه بهبة من البنك الدولي، أو إلى إعادة تأهيل عدد من محطات فرز النفايات بدعم من برنامج UNDP، كمثل إعلان وزير البيئة مؤخرا عن تمويل حصلت عليه الوزارة لمعامل فرز النفايات في زحلة، جب جنين، وبر الياس، مع الإشارة إلى أن المعمل الأخير توقف بعد فترة قصيرة من تشغيله، بسبب إنعدام قدرة الدولة على إدارته إثر الأزمة المالية التي ألمّت بلبنان. هذا في وقت تؤكد مؤسسات المياه، ولا سيما في البقاع حيث يمتد نطاق عمل المؤسسة على مساحة أربعين بالمئة من مجمل مساحة لبنان، بأن المؤسسة عاجزة عن تقديم أي خدمة ما لم يكن ذلك بدعم من الجهات المانحة، ولا سيما اليونيسيف.
المؤسسات العسكرية
إلا أن بعض الهبات التي تؤمن حالياً صمود المؤسسات في لبنان، أخذ منذ بداية الأزمة اللبنانية أبعاداً استراتيجية يصعب تلمس مستقبل المؤسسات من دونها. الأموال التي أقرت لمساعدة المدارس الرسمية ودعم تلاميذها وصمود أساتذتها تبدو جزءاً منها. وهي تحولت منذ العام الماضي وسيلة أيضاً لإبتزاز المجتمع الدولي المانح، بوقف تعليم النازحين السوريين ما لم يحصل تعليم اللبنانيين على دعم مواز من قبلها. وإن اكتسب بعض هذا الدعم أهدافاً أكثر استدامة بالمجتمع الدولي، كمثل الدعم الذي وفره الإتحاد الأوروبي لضمان حصول الأطفال الأكثر ضعفاً على فرص متساوية بالتعليم.
إلا أن الأبرز هو في الدعم الذي بات ركيزة صمود الأجهزة الأمنية في لبنان ولا سيما الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. ويأتي في هذا الإطار البرنامج الذي نفذ منذ مطلع العام الجاري بالتعاون بين سفارة الولايات المتحدة في بيروت وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والذي أعلن حينها عن مبلغ 72 مليون دولار على شكل دعم مالي مؤقّت ومباشر لعناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي، سمح بتقاضي كل عنصر مبلغ مئة دولار. وهذه المرة الأولى التي تقدم الولايات المتحدة مثل هذا الدعم، حيث أقرنت الإعلان عنه بضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية والسير بالإصلاحات المالية. علماً أن تقارير أميركية تحدثت عن دعم مستمر للجيش منذ سنة 2006 من بينه 180 مليون دولار لسنة 2023 شكل حاجة أيضا لصيانة المعدات والآليات. وهذه المساعدة ليست الوحيدة من قبل دول للجيش، فقطر مثلاً أعلنت في شهر حزيران عن تقديم 60 مليون دولار للمؤسسة وعناصرها، بعد هبة بقيمة 70 مليون دولار قدمت للجيش في شهر تموز من العام 2022، وهو دعم مستمر حتى اليوم يضاف إلى تقديم المحروقات. إلى جانب إعلان قيادة الجيش أيضاً عن تلقي المؤسسة في الأشهر الأخيرة من العام الجاري هبة من القوات المسلحة الألمانية تشمل وقوداٍ ومواد طبية.
NGO’S
المؤسسات المستقلة ذات المنفعة العامة كغرف التجارة، هي أيضاً من الجهات التي كثفت جهودها للانخراط ببرامج اقتصادية ممولة من الخارج، لتأمين ديمومة دورها في مجتمعاتها بظل الظروف المالية المتعثرة، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي. وفيما كانت هذه البرامج في الماضي تبحث عن فرص استثمارات جديدة، فإن بعض البرامج المنفذة عبر الغرف في لبنان أصبحت أكثر مراعاة لواقعه الاقتصادي. كمثل مشروع نفذ خلال العام الجاري وسيتواصل في العام المقبل عبر برنامج الأمم المتحدة للتنمية، لتأمين تجهيز معامل تكرير مياه الصرف الصناعي في المؤسسات الصناعية الخاصة بالطاقة البديلة، ضماناً لعدم تحويل ملوثاتها إلى نهر الليطاني، وذلك بعد أن ساعدت هذه الهبات أيضا بعض الصناعيين في تجهيز معاملهم بمحطات تكرير لم تكن متوفرة لديها سابقاً.
الجردة المقدمة ليست سوى جزء مما يرسخ القاعدة بالنسبة للبعض بأنه "من دون تمويل خارجي لا مشاريع ستنفذ". وذلك حتى على المستوى الفردي. وهذا ما يعمم في المجتمعات أيضاً لوثة الـNGO’S التي أصبح نشوء عدد منها مقرون أيضاً بالحصول على تمويلات. حتى أن بعض المشاريع الصغرى التي تنشأ يكون هدفها الاستفادة من البرامج الممولة من الخارج، وإن لم تؤد إلى الإنتاجية المطلوبة منها على المدى البعيد.
وإذا أضفنا إلى كل ما تقدم أموالَ المغتربين التي تغدق على المقيمين حتى يؤمنوا أبسط مقومات الحياة التي ارتفعت كلفتها كثيراً، يمكن الاستنتاج بأننا بلد يعيش على أموال المساعدات الخارجية والتسول. فيما تبدو الدولة متخلية عن دورها في إدارة مؤسساتها، التي تحاول إما أن تلزمها للقطاعات الخاصة بأبخس الأثمان، أو تهمش تطورها واستدامة العمل فيها إلى درجة المساهمة بانهيارها عمداً أو إهمالاً.