المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
الثلاثاء 29 تشرين الثاني 2022 14:56:57
منذ نحو أسبوعين تعمد مدارس خاصة، مرخصة وغير مرخصة، على إقفال أبوابها، أو إقفال صفوف فيها، بذريعة انتشار انفلونزا الطيور. وسبق ونشرت شائعات على منصات التواصل الاجتماعي تحذر من مدارس موبوءة بالكامل بأنفلونزا الطيور، ولا تقدم إدارات المدارس على إقفالها. وكان الأمر مجرد بث شائعات لبث الرعب بين الأهالي، للمطالبة بإقفال المدارس وتوفير مصاريف التشغيلية والمازوت. صحيح أن هذا الفيروس انتشر مؤخراً، بشكل أوسع من السنتين الفائتتين، حيث تُعتبر المدارس بيئة حاضنة له، إلا أن قرارات إدارات المدارس بالإقفال كانت اعتباطية. فوزارة التربية لم تتبلغ من المدارس عن عزمها بإقفال الصفوف، كي تتثبت مع وزارة الصحة من الوقائع على الأرض، لاتخاذ المقتضى القانوني اللازم.
إقفال صفوف ومدارس بكاملها
انتقلت الأمور من الشائعات إلى تنفيذ حقيقة إقفال المدارس. ونقل أهالي الطلاب في لجان الأهل أخباراً عن إقفال مدارسهم أو لجوء الإدارات إلى إقفال صفوف وطوابق بكاملها. فقد أقدمت مدرسة أجيال على إقفال أبوابها ثلاثة أيام الأسبوع الفائت، كما أقفلت مدرسة مار روكز في القليعات يومي الخميس والجمعة، ومثلها فعلت مدرسة سان ميشال. أما مدرسة أوكلاند أكاديمي في بعقلين، فقد أقفلت صفوف الروضات مؤقتاً، إلى حين التأكّد من أنّ الوضع الصحّي للتلامذة لم يعد خطِراً، كما أبلغت الأهالي.
رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، لما الطويل، أكدت لـ"المدن" أنه من خلال متابعتهم لموضوع انتشار الأنفلونزا، تبلغوا من أهالي ولجان أهل عن انتشار بعض الحالات في العديد من المدارس. وقام العديد منها في مختلف المناطق بإقفال صفوف أو طوابق أو حتى المدرسة كلها. لكن ونتيجة متابعة "الاتحاد" مع المستشارين الصحيين، كان واضحاً أن الوضع لا يستدعي إقفالاً تاماً للمدارس. بل المطلوب الوقاية والمتابعة المنزلية والطبية من قبل الأهل للحد من الانتشار.
لا أعذار عند المدارس
مصادر وزارة الصحة أكدت أن المدارس لم تتواصل مع وحدة الإرشاد الصحي في الوزارة قبل قرار الإقفال. ولم تقدم أي مدرسة على إبلاغ الوزارة كي تتواصل بدورها مع وحدة الترصد الوبائي في وزارة الصحة لاتخاذ القرار المناسب. فالمدارس ملزمة بالتبليغ عن هكذا قرارات، لا اللجوء إلى قرارات اعتباطية. فوفق البروتوكول المعتمد في وزارة الصحة، الفيروس الذي ينتشر موسمي ولا يستدعي إقفال أي صف، بل يجب الاكتفاء بإبقاء التلامذة المصابين في منازلهم وحسب.
وأضافت المصادر، أن بعض المدارس الخاصة أخذت انتشار هذا الفيروس كذريعة لإقفال الصفوف أو المدرسة كلها، وتعمدت نشر الخوف بين الأهالي، كما لو أن لبنان ما زال يعيش في زمن كورونا. أما الهدف من هذه البلبلة فهو توفير بعض المصاريف التشغيلية من ناحية، وتوفير بعض الأموال في بدلات ساعات الأساتذة المتعاقدين. فالمدارس غير المرخصة، والتي تعمل وفق مبدأ الموافقة الاستثنائية، التي تعطى لها سنوياً، فتعتمد على أساتذة متعاقدين حصراً، لأنه يمنع عليها إدخالهم في الملاك، لعدم حصولها على رخص.
ووفق المصادر، ربما كانت قرارات بعض المدارس نابعة من خوفها على الطلاب، وأتى إقفال بعض الصفوف نتيجة ارتفاع نسبة تغيّب الطلاب بسبب المرض، لكن هذا لا يمنع إدارات المدارس من إبلاغ وزارة التربية، لعدم وضعها في دائرة الشكوك. فلا يوجد عذر يمنعها من سلوك الطرق القانونية وتبليغ المعنيين.
فيروس موسمي
وتواصلت "المدن" مع رئيس مختبرات الأمراض الجرثومية والمعدية في الجامعة الأميركية في بيروت والبروفسور في طب الأطفال، غسان دبيبو، الذي شرح أن انفلونزا المنتشرة حالياً هي من فئة A، وهي مقسمة إلى نوعين: فيروس H1N1 وفيروس H3N2، وهذا الأخير هو الأكثر انتشاراً في لبنان في الوقت الحالي.
وأضاف أن هذا الفيروس موسمي ولا يستدعي إقفال لا الصف ولا المدرسة، لأنه يعتبر من الفيروسات العادية التي تنتشر في مطلع فصل الشتاء من كل عام. قبل جائحة كورونا كانت هذه الفيروسات تنتشر مع مطلع فصل الشتاء، المختلف هذا العام هو تراجع المناعة في المجتمع نتيجة الحجر الذي أعقب جائحة كورونا، ولم تنتشر خلالها هذه الفيروسات. وهذا أدى إلى بيئة حاضنة لانتشاره بشكل مبكر عن السنوات السابقة، بسبب عدم وجود مناعة عند الكثير من الأشخاص ضدها.
تلقي اللقاح لتخفيف حدة المرض
ووفق دبيبو، قد تؤدي فيروسات الأنفلونزا إلى دخول المريض، أطفلاً كان أو كبيراً بالسن، إلى المستشفيات، ومن ممكن أن يكون لها مضاعفات قوية تؤدي إلى الوفاة، في بعض الحالات. لكنها ما زالت نادرة مثل السابق. والملاحظ حالياً ارتفاع عدد الإصابات الذي ينعكس في ارتفاع عدد الأشخاص الذين يصابون بأعراض حادة، وخصوصاً بين الذين يعانون من مشاكل صحية معينة.
ويشدد دبيبو على أن هذه الانفلونزا لا يستوجب إقفال لا الصف ولا المدرسة، بل الإسراع في تلقي اللقاحات لتخفيف حدة الإصابة، كما سبق ونبه أكثر من مرة قبل انتشاره. أما العلاج فبسيط، هناك أدوية عدة مضادة للفيروس وتمنعه من التكاثر في الجسم، ومتوفرة في الصيدليات مثل oseltamivir المعروف بأسماء التاميفير والتامي فلو. لكن يشترط تناوله في وقت مبكر، أي في اليومين الأولين للإصابة، للاستفادة من فاعليته، وذلك بعد استشارة الطبيب المختص.