المصدر: النهار
الكاتب: جاد يتيم
الاثنين 29 أيلول 2025 08:17:50
يجلس جواد نصرالله بكل أريحية، إلى جانب ضريح والده، وهو يتحدث إلى إحدى وكالات الأنباء العالمية، "ساخراً" من اللبنانيين الذين أرهقتهم حروب والده وأزهقت أرواحهم، ويريدون إنهاء الحروب وتسليم السلاح، بالقول "لا في أحلامك ولا في أوهامك"، مستعيراً مطلع إحدى أغنيات جوليا بطرس التي تحمل عنوان "لا بأحلامك".
يحدث أن يحظى جواد بامتياز الاستئناس إلى والده في قبره، بينما المئات من أهل الجنوب ما زالوا يبحثون عن جثث أو رفات أحبّائهم، علّهم يحظون بكومة من عظام فيحظون بفرصة تكريم الشهيد أو الشهيدة ببناء قبر، يستطيعون زيارته.
محظوظ جواد بالاستئناس إلى والده في قبره، بينما المئات منّا، حرمنا من زيارة قبور آبائنا أو دفنهم، كما فعل، بسبب حرب المقتلة التي افتتحها والده مع قرار إسناد غزة.
مع كل هذا، يكلّمنا جواد نصرالله بتعالٍ، وكأنّ قدرته على ممارسة طقوس حزنه على والده تجبُّ حزننا جميعاً، ويجب أن نكون شاكرين لذلك، وننسى ما أصابنا من مآسٍ بسبب "حرب الإسناد"، التي أودت بلبنان، وجنوبه تحديداً، إلى ثقب أسود.
كان جواد نصرالله أصدق حين تكلّم في مقابلات سابقة عن الأمين العام لحزب الله، قائلاً "بابا". هكذا كما ننادي كلنا آباءنا، لكن مع الوقت صار جزءاً من آلة التأليه، وبالتالي لم يعد حزننا متشابهاً يا جواد.
أو ربما، هو لم يكن متشابهاً أبداً. بالتأكيد لم يكن متشابهاً.
أغمض أبي عينيه للمرة الأخيرة صباح يوم ٢٨ أيلول، وأنا أعرف أنه لم يتسبّب بأذى لأيّ شخص، فما بالك بإراقة الدماء؟
أبي ليس "إلهاً"، لكنه كان إنساناً يفيض خيراً وحباً ورأفة. لم يكن يوماً في حزب سياسي، لكنّه ربّانا على الكيفية التي نكون بها إنسانيين ولبنانيين، وكيف نجبر الخواطر ولا نكسرها.
حلم بقضاء أيام في بلدتنا الجنوبية مع العائلة، وفي كثير من المرات تخلّفتُ عن الموعد، بسبب تهديدات مباشرة وغير مباشرة، وترهيب مورس من "الحزب" على كل جنوبي مختلف، ويرى الكارثة التي نخطو نحوها بكل ما أوتيت إيران من قوة.
حزننا لم يكن يوماً متشابهاً.
مع ذلك، تريد يا جواد، كما "حزب الله"، أن تسلب الجنوبيين واللبنانيين حقهم في الحياة وفي الحزن وفي لملمة ما تبقى من أولئك الذين صمدوا في أرضهم وبيوتهم. صمدوا لنعود إليها، لا لأن يصير السلاح أهم من العودة ومن إعمار قرانا.
ما يعنيني، كما المئات غيري، أننا لن نبقى أسرى الانتصارات الوهمية والشخصيات الساعية إلى مكاسب لمواقعها داخل حزب الله على حساب الفجيعة التي تلمّ بنا جميعاً كلبنانيين وكجنوبيين.
رحم الله والدك وسامحه... ورحم الله والدي الطيب.