إليكم القصة الكاملة لانسحاب روسيا من خيرسون!

يوم الجمعة الماضي ،استقبل السكان في وسط مدينة خيرسون القوات الأوكرانية بفرحة عارمة،  بعدما انسحبت روسيا من العاصمة الإقليمية الوحيدة التي استولت عليها منذ بداية الغزو في شباط، وهي إحدى المناطق الأوكرانية الأربع التي ضمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أيلول الماضي. 

 

وتقع خيرسون على حدود شبه جزيرة القرم في البحر الأسود، وتوفر لموسكو رابطاً من خلال جسر بري مع شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في عام 2014. كما تضم مصب نهر دنيبرو الواسع الذي يمد جزيرة القرم بالمياه العذبة. فما الذي حصل حتى انسحبت روسيا من خيرسون؟

 

المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ"المركزية" ان الانسحاب من خيرسون جاء نتيجة عدم القدرة على الصمود فيها، لأنها منطقة سهلية تصعب محاصرتها خاصة مع قدوم فصل الشتاء. وأهل خيرسون هم الوحيدون الذين قاموا بمقاومة شعبية وواجهوا الاحتلال الروسي بالمظاهرات والاعتراضات ورفع العلم الاوكراني، ورغم تعرضهم للقصف ظلوا يجاهرون بأنهم لن يقبلوا بالاحتلال ورفضوا استلام الجوازات والكثير منهم رفضوا بشكل علني التعامل مع الاحتلال الروسي. لكن مع بداية ايلول حصل انقلاب في المعادلة لصالح الجيش الاوكراني، مع دخوله الى لوهانسك وتحول من مدافع الى مهاجم، وتلقى الروس النكسة تلو الأخرى. ولم تنته القصة عند شرق خاركوف ولكنها تكللت بخسارة ليمان التي انسحب منها الروس بطريقة مذلة، ما رفع معنويات الجيش والشعب الاوكراني. هذا الامر جعل الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي يصرّح بـ"أننا في حالة انتصار. وبعد حالة من الهزائم والنكسات التي تتلقاها روسيا، لم يعد من المقبول التحاور والتشاور مع الرئيس الحالي. وعلى الدول الاوروبية ان تدفع بقدرات تسليحية عالية لاستعادة اراضينا".

 

ويضيف العزي: "المعركة كانت مستمرة في خيرسون والتقدم كان بطيئا في تحرير القرى والضواحي والمدن الصغيرة في خيرسون. هذا التكتيك اعتمده الاوكران في حربهم المعاكسة،  والتي تقوم على عدم مواجهة مباشرة بطريقة كلاسيكية، جيش مقابل جيش، لأنهم يعلمون جيدا ان الجيش الروسي عددا وعتادا اكبر واكثر تطورا من الاوكراني. لكنهم استغلوا ثلاث نقاط: اولاً الانكسارات والانهيارات لدى الجيش الروسي نتيجة الخلافات الداخلية داخل المؤسسات العسكرية، وثانياً الدعم العسكري الواضح من الغرب وتسليمه السلاح المتطور، وثالثاً ضرب الروح المعنوية لدى الجيش الروسي الذي افتقد قضية يقاتل من أجلها، عكس الاوكراني الذي حمل، منذ بداية الحرب، قضية يدافع عنها. اما الروس فكانوا غير مقتنعين بهذه الحرب، وبالتالي كان هناك عدم اهتمام بهذا الجيش او تسليحه او سحب القتلى. لذلك، اعتُبِرت بعض النقاط حاسمة في هذه المعركة، ولعل أبرزها تدمير الجسور المرتبطة بخيرسون مقابل الضفة الاخرى من نهر دنيبرو، وهذا الامر منع ايصال السلاح الى الجيش الروسي الموجود وكان عدده نحو 40 الف مقاتل".

 

ويتابع العزي: "اتخذ القرار بالانسحاب تحت حجة ان الجنرال سيرغي سوروفيكين قائد القوات الروسية في أوكرانيا، اعتبر ان لم يعد من الممكن الدفاع عن المنطقة ومن الافضل الانسحاب منها حماية للارواح والجيش، وتم إظهار سوروفيكين كأنه بطل. لكن عندما ضم بوتين المقاطعات الاربع الى روسيا، ومن ضمنها خيرسون أكد بأن هذه المقاطعات ستبقى روسية وسيتم الدفاع عنها الى ما لا نهاية، لكن في 9 تشرين الثاني، اي في اقل من شهر وثلاثة اسابيع تم الانسحاب المفاجئ. وقد تحاول موسكو إظهار هذا الانسحاب على أنه انتصار لحفظ ماء الوجه أمام الشعب الروسي، لكن في المقابل اعطى لاوكرانيا قدرة اعلى واوسع بأن الاوكران سيحققون الانتصارات على الضفة الثانية وهي بما يعنيه الوصول الى جزيرة القرم وتحريرها من الروس، لأن الروس  بالخطأ الذي ارتُكب كان بإمكانهم الخروج من خيرسون دون ضمها الى روسيا، لأنهم لم يتمكنوا من الدفاع عنها. إلا ان هذا الامر فتح باب الخلافات على مصراعيه في الداخل الروسي ما بين الجنرالات العسكرية الذين كان البعض يحاول تحميلهم مسؤولية الفشل وما بين حلفاء بوتين والاستخبارات الذين دفعوا الى تنفيذ هذه العملية الفاشلة. وهذا سيكون خسارة استراتيجية لروسيا لأن الروس سيقتنعون بأن اي حل عسكري لم يعد ممكنا لا في اوكرانيا ولا في اي منطقة أخرى ما سيدفعهم الى القبول بالتسوية والتفاوض. لكن الجدير بالذكر ان الرئيس بوتين لم يعلق عما جرى في خيرسون".

 

ويختم العزي: "المستقبل القادم هو للتفاوض بكل ما للكلمة من معنى، لأن الحل العسكري فشل وروسيا انهزمت بعد ان استخدمت كل خراطيشها واصبح الوضع لا يطاق. لكن التفاوض الامني الدبلوماسي والجلوس الى الطاولة موضوع آخر، وقد التقى مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" (CIA) وليام بيرنز برئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين في العاصمة التركية أنقرة منذ يومين للتفاوض، وهو لقاء قال الكرملين إنه عقد بناء على طلب من واشنطن. 

 

اليوم المعركة ستكون على مناطق الممر البري للقرم واعتقد بأن الروس لن يستطيعوا الصمود في القرم طويلا وربما هنا يجب العودة الى المخطط الذي وضعه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يوم استقبل وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والاوكراني دميترو كوليبا، وقال للروس كفى، لم تسجلوا اي انتصار وعليكم الالتزام بهذه النقاط: اولاً ايقاف العملية العسكرية، والانسحاب من المناطق التي احتليتموها، وثانياً التفاوض على مناطق دونيتسك ولوغانسك على مدى عشر سنوات في إطار الدبلوماسية وعليكم استئجار القرم من الاوكران والتعويض عليهم لما تسببتموه من انهيارات اقتصادية. هذه النقاط ربما ستكون اساسا للحوار الدبلوماسي القادم".