المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: جوانا فرحات
الثلاثاء 13 آب 2024 16:42:20
"أشعر بالخجل لأنني لم أتمكن من تنفيذ رأي خبراء اللجان المسؤولة عن اختيار المرشحين بشكل لائق وتحقيق إدماج النساء والشباب والمجموعات العرقية، كما سبق أن وعدت". بهذه الكلمات على منصة "إكس" ودّع محمد جواد ظريف جمهوره من الإصلاحيين إثر تقديم استقالته من منصبه كنائب الرئيس مسعود بزكشيان للشؤون الإستراتيجية.
10 أيام فقط أمضاها ظريف في منصبه وكان مكلفا بالمساعدة في اختيار التشكيل الحكومي الجديد، إلا أنه لمس حجم "الخلافات العميقة" بين المتشددين والإصلاحيين في إيران فقرر أن يستقيل ويخرج قبل أن يُحرِجَه المتشددون وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي والحرس الثوري فيخرجونه بالقوة.
إستقالة ظريف الذي يعدّ من أقرب مساعدي بزكشيان شكلت ضربة للرئيس الإصلاحي الذي كان يأمل في معالجة جملة من المشاكل الداخلية والخارجية للبلاد برفقة معاونيه، وسط اقتصاد متهالك ووضع جيوسياسي معقد في المنطقة. إلا أنها ليست المرة الأولى التي يصطدم فيها ظريف بمحاولات التضييق عليه من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي والحرس الثوري حتى بات يحمل لقب "المغضوب عليه". فبين العامين 2013 و2021 شغل ظريف منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني وواجه أقسى أنواع الحملات عليه من قبل المرشد والحرس الثوري نظرا إلى التضارب والإختلاف في السياسة المتبعة من قبل الأخيرين فقدم استقالته قبل أن يعود ويخوض المعركة السياسة التي أوصلت مرشحه بزكشيان الإصلاحي إلى سدة الرئاسة.
إلا أن استقالته هذه المرة بعد 10 أيام فقط على تعيينه في منصبه جاءت لتؤكد على وجود خلافات عميقة بين مجموعة الحرس الثوري الإيراني، والمعسكر الإصلاحي في مؤسسة الرئاسة منذ فوز بزشكيان، في ما يتعلق بعدد من الملفات الداخلية والخارجية. وفي حين كان يظن الإصلاحيون الذين ساندوا بزشكيان في الانتخابات أنهم قادرون على فرض سياساتهم بعد إيصاله إلى منصب الرئيس، لكن ما حدث هو أنهم صدموا بأنهم غير قادرين على فعل أي شيء. حتى أن بزكشيان وجد نفسه يخوض حرباً مع الحرس الثوري، لمنع اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل، على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية، إسماعيل هنية، خلال تواجده في طهران.
فهل تنعكس استقالة ظريف على محور السياسة الخارجية ودور الإصلاحيين في إيران وأي مستقبل للرئيس الإصلاحي بزكشيان؟
مستشار الإتحاد الأوروبي في قطر لمنطقة الخليج جورج أبو صعب يشير إلى أن إيران تعاني منذ العام 1979 من إزدواجية الهوية السياسية. من جهة هناك المواقف الثورية وأبطالها المرشد الإيراني علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني ومن جهة أخرى هناك دولة الدستور في ظاهرها فقط. لكن الغالب هو التيار الثوري الذي يحكم إنطلاقا من خلفية الثورة والحروب".
ويضيف" خلال توليه منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس الأسبق المعتدل حسن روحاني حكم ظريف بخلفيته الإصلاحية وحاول أن يفرض سياسة الدولة لا الحرب. وعلى رغم المواجهات مع سياسة ومواقف المرشد والحرس الثوري، إلا أنه نجح إلى حد ما في فرض فلسفته وهندسة الإتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع القوى الكبرى عام 2015، كما نجح في حصول إيران على حقوقها.هذه السياسة أزعجت حتما الحرس الثوري الإيراني ، وبدا غير مطمئن لسياسة ظريف.
وازداد الوضع سوءا بين ظريف وفريق المحافظين عندما استدعى خامنئي والحرس الثوري الرئيس السوري بشار الأسد إلى إيران من دون علمه أو استشارته كوزير للخارجية آنذاك، ولم يرافق الأسد ممثلا عن الخارجية السورية ففهم الرسالة وقدم استقالته".
أدرك ظريف أن لا يمكنه أن يغير أو يلعب دورا فاعلا خلف الكواليس في السياسات الإيرانية، كما أيقن بأن الحرس الثوري والمؤسسات العميقة لا تزال تتحكم بشكل واسع في صناعة القرار وستفرض كلمتها في النهاية كما حدث مع التشكيل الوزاري الذي جاء بعيدا كل البعد عن الوعود الانتخابية بتعزيز مشاركة الأقليات والشباب والمرأة.
ويقول أبوصعب"منذ تعيينه نائب الرئيس لشؤون السياسة الخارجية بدأ يشعر ظريف الآتي من خلفية ليبرالية بالتضييق عليه من المرشد خامنئي والحرس الثوري مما دفعه لتقديم استقالته لأنه أراد أن تتصرف إيران كدولة وليس كثورة وأن تكون سياسة الدولة الخارجية لصالح إيران وليس الثورة. كما أنه يؤمن أنه بالحوار والتضامن وليس بالعزلة".
على رغم إصرار وتمسك بزكشيان بظريف الداعم الأول لسياسته الإصلاحية إلا أن خيبة أمل الإصلاحيين كانت واضحة بعد تقديم بزشكيان تشكيلة الحكومة إلى مجلس الشورى من أجل الحصول على الموافقة، وهي التشكيلة التي لم تكن ترقى لتطلعات الإصلاحيين وفي مقدمهم ظريف، من هنا قد يكون الخلاف حول أسماء بعض الوزراء في التشكيل الحكومي وراء استقالة ظريف " ويقينا منه بأنه لن يستطيع تطبيق مبدأ التفاوض وإعادة وضع إيران على خارطة العلاقات الدولية السويَّة".
"أراد بزكشيان أن يدخل ملعب الرئاسة كما يراها كإصلاحي لكن ليس خفيا أن الكلمة الأخيرة في إيران هي للمرشد علي خامنئي والحرس الثوري ورئيس إيران يأتي في المرتبة الثالثة بعد المرشد ومؤسسة نظام الملالي. وفي الحرب الكلمة للحرس الثوري والمرشد وفي السلم يدير الرئيس الدولة بمباركة المرشد".