إنزالات الفتنة.. هل من يتعظ!

قد نكون في الأيام الطالعة امام السيناريو الأشد اثارة للخوف من إطالة امد الحرب الإسرائيلية على لبنان اذا لم يحسم الثلاثاء الانتخابي الكبير في الولايات المتحدة الفائز بوضوح حاسم بما سيغرق اميركا في معركة طويلة معقدة لفض الازمة المحتملة وإعلان اسم الرئيس الفائز. أساسا كانت مجريات الحرب استعصت على محاولات وقفها قبل الانتخابات بحيث تحول "ربط ساحاتها" مبعث عدوى بين المتحاربين، فلا "حزب الله" ومحوره تراجعا علنا ورسميا عن ربط حرب لبنان بحرب غزة ، ولا إسرائيل تراجعت عن ربط ضمني وعلني لتوظيف هجماتها التدميرية التصعيدية بالاستحقاق الأميركي بدليل تلاعبها بمهمة آيموس هوكشتاين. ومع اقتراب العد العكسي من الثلاثاء الانتخابي في اميركا، واغلب الظن في توقيت متعمد، أقدمت قوة كوماندوس إسرائيلية على انزال البترون مع كل ما سيطلقه هذا التطور من التهابات إضافية في مسار الحرب.

ليس خفيا تاريخ تداعيات الإنزالات الإسرائيلية في لبنان على الداخل اللبناني في التجارب التي تعاقبت منذ انزال تفجير أسطول طائرات "الشرق الأوسط" في مطار بيروت واغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة في نهايات الستينات ومطلع السبعينات وما بعدها، بحيث كانت تداعيات الانقسامات السياسية والطائفية الداخلية تتخذ طابعا اشد خطورة من انتهاك السيادة بذاتها. ولو حصل انزال البترون الذي "اكتشف" بعد يومين من حصوله منعزلا عن الزمن الحربي الذي تجرف معه إسرائيل البشر والحجر ولا جفن دوليا يرف ولا قدرة داخلية لوقف الزلزال، لكان اشعل حتما في الداخل ما يماثل وأكثر مما حصل بعد فتن وازمات عرفها لبنان قبل الطائف وبعده علما ان فظائع انتهاكات السيادة اللبنانية لم تنتظر انزال البترون وحده، بل ان شواهد التوغل الإسرائيلي في بلدات وقرى الحافة الحدودية حيث "محت" العشرات منها بالتدمير الشامل تشكل احتلالا موصوفا للأرض كما للسيادة وإسقاطا تاما للقرارات الدولية وفي مقدمها القرار 1701.

لا يقل انزال البترون أيضا في وصفه وطبيعته عن خرق فضائحي للسيادة واحتقار لها في قلب منطقة لبنانية نائية عن جبهة القتال. وليس من المسلم به الا تسأل السلطات اللبنانية العسكرية والأمنية والسياسية سواء بسواء عن الرقابة وتهاونها بإزاء حدث خطير، ولو صح انه استهدف كادرا متخصصا في "حزب الله" بهذه الأهمية بحيث ان إسرائيل أقدمت على "تمييزه" بالإنزال والخطف. ولكن أقصى الخطورة لم يظهر بعد، وملامحه بدأت تطل برأسها، وهو ان ينجح الإنزال في الجبهة الخلفية اسوة بنجاحه في الجبهة النفسية، أي في زيادة اشعال حرب التخوين التي تستعر في الداخل اللبناني اليوم على نحو اشد شراسة وتدميرا من الحرب إياها.

فقط لتذكير الاجيال المخضرمة والهرمة ، و"من يقرأ" التاريخ من الأجيال الشابة ، فان أزمات لبنان بدأت تستعر وتتصاعد في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي عقب تمادي استباحة الفصائل الفلسطينية وإسرائيل للسيادة اللبنانية إلى ان انفجر لبنان عام 1975. واياكم والنوم على الظن الخادع بان الحرب الراهنة ومآسيها قد لا تترك ما يكفي من مخزون الحقد الداخلي الناجم عن حرب تخوينية لئيمة ولعينة تدور رحاها في يوميات الحرب، بحيث بتنا نخشى انفجارا داخليا يسابق حرب الدمار العسكرية والميدانية ومذابحها في صفوف اللبنانيين. وبإنزال ومن دونه ، تبحر البلاد نحو اشد مسارات الفتن خطورة فكيف اذا افلت زمام الحرب من آخر روادعها بعد "الثلاثاء الكبير"؟