إيران بين خياري بتر الذراع اللبنانية أو المحافظة على استقرار النظام

نتوقف اليوم مع خبر نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية حول الضربة الأميركية الأخيرة على الحوثيين في كل من صنعاء وصعدة. الخبر يتناول مسألة استخدام الولايات المتحدة للمرة الأولى ضد الحوثيين قاذفات الشبح "بي-٢" (سبيريت) الاستراتيجية لضرب خمس منشآت لتخزين الأسلحة أو غيرها تحت الأرض في مناطق سيطرة الحوثيين. فقد رأت الصحيفة، أن هذا الاستخدام لـ"بي-٢"، التي طارت مباشرة من قاعدة "وايتمان" في ولاية ميسوري الأميركية، هو بمثابة رسالة تحذير لإيران. لاسيما وأن الطائرة حملت مجموعة من القنابل من فئة "مارك -84" التي يبلغ وزنها أكثر من 930 كلغ. لكن الأهم أنها القاذفة الوحيدة القادرة على حمل أكبر أنواع قنابل الأنفاق الأميركية "أم القنابل" من فئة "جي بي يو-57" MOP   الخارقة الموجهة ووزنها أكثر من 13.5 طناً، وباستطاعتها اختراق 30 متراً في الأرض قبل أن تنفجر. 

هذا تطور كبير يحمل دلالات مرتبطة بمستقبل التعامل مع الحوثيين، وأيضاً التعامل مع إيران بشأن برنامجها النووي الذي يكاد يلامس نقطة اللاعودة فيما يخص إنتاج القنبلة النووية الأولى. كما أنه يشير بشكل عام إلى أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وبصرف النظر عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل تتحرك ضمن أجندة لا تتغير بتغير الرؤساء أو الإدارات. فالاستحقاق النووي الإيراني خطير إلى درجة أن إدارة ضعيفة مثل إدارة الرئيس، التي تشرف على الرحيل، غير قادرة على تجاهل الخطوات الكبيرة والسريعة الإيرانية في اتجاه بلوغ الهدف الأسمى للنظام: إنتاج القنبلة النووية كدرع دائمة ونهائية للنظام. فالتحدي الكبير الذي تواجهه إيران جراء حرب إسرائيل لتحطيم الماكينة العسكرية لـ"حزب الله" ينذر بتلقي طهران ضربة موجعة، إذا ما منيت بخسارة قوة عسكرية-أمنية مثل "حزب الله" تعتبر "درة التاج" الإيراني في المنطقة. والحرب التي تدور رحاها اليوم في لبنان قد تؤدي إلى انهيار كامل للقوة العسكرية الاستراتيجية التي يمتلكها "حزب الله"، وبالتالي تنهار معه الوظيفة الإقليمية العسكرية– الأمنية للحزب بوصفه أكثر من فصيل مقرب من إيران، وأكبر من ذراع إيرانية في المنطقة. إنه امتداد للدولة العميقة في إيران. ومن هنا اضطلاعه بمهام خطيرة في أرجاء الإقليم من المشرق العربي إلى الخليج العربي. إضافة إلى تنفيذه مهام أمنية– مالية من خارج الأنظمة في أرجاء العالم، حيث يتم استغلال بعض الانتشار اللبناني لاسيما من البيئة الحاضنة من أجل إقامة أذرع أمنية ومالية وتجارية وإعلامية ومذهبية في أوساط الانتشار العربي في الغرب عموماً. ومن هنا، فإن إيران قد تكون مقبلة على نكبة جيوسياسية قد تنتج عن الحرب الإسرائيلية التي تدعمها الدولة العميقة في الولايات المتحدة وخلفهما معظم الدول الغربية. كلها ترى أن ثمة فرصة لقطع ذراع إيران الرئيسة في المشرق العربي بدءاً من لبنان.

وحسب مراقبين غربيين مطلعين، فإنه في حال انهيار "حزب الله" عسكرياً في لبنان، ستشعر الساحات الإيرانية في سوريا والعراق بترددات الانهيار المحتمل. ويمكن أن يكون ذلك إيذاناً بحصول تراجع جدي للمرة الأولى في السياسة التوسعية الإيرانية في المنطقة. من هنا خطورة الحرب الدائرة في لبنان التي تتعدى الإطار اللبناني، كما تتعدى إطار الصراع الضيق بين إسرائيل و"حزب الله". إنها حرب إسرائيلية– إيرانية غير مباشرة بدماء وأرواح لبنانية. وستكون مفجعة بنتائجها الداخلية اللبنانية، وبتداعياتها الإقليمية بعيدة المدى.

طبعاً لهؤلاء الذين يحسمون سلفاً نتيجة المواجهة نقول إن الحرب ما تزال في بداياتها. وستكون مكلفة جداً للطرفين. وقد سبق لنا أن قلنا هنا على هذه الصفحات، إن "حرب الإسناد" تحولت إلى حرب على الأدوار، ثم على البقاء. إنه صراع بين وجودين. مع ذلك تمتلك إيران خيار بتر ذراعها في لبنان، وإلغاء قرار إنتاج القنبلة النووية ليبقى النظام أقله في المرحلة الانتقالية إلى أن يغيب المرشد علي خامنئي. وبخروجه تدخل إيران مرحلة جديدة قد تكون مختلفة.