إيران تخترق "المحادثات الخاصة" للنشطاء... وشركات التقنية "عاجزة"

أدركت الإيرانية نجين أن المسؤولين الذين كانوا يحققون معها بعد اعتقالها في أواخر سبتمبر الماضي، كانوا يستخدمون محادثاتها الخاصة على تطبيق "تليغرام" والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية في محاولة لإيجاد تهم لها.

وخلال التحقيق مع نجين التي أودعت في الحبس الانفرادي، كان المحققون يهددونها بعدم خروجها من سجن "إيفين" شمالي طهران، حية، ويخبرونها أن عقوبتها الإعدام، ويقولون إنهم يمتلكون أدلة ويعلمون كل شيء، بحسب ما نقلته شبكة "سي أن أن" عن الناشطة.

نجين، التي تقول إن السلطات الإيرانية اتهمتها بإدارة مجموعة ناشطة مناهضة للنظام على "تليغرام"، وهو ما تنفيه، ذكرت أنهم "ووضعوا أمامي نسخا مطبوعة من محادثاتي الهاتفية مع هؤلاء الأصدقاء (سجناء سياسيين)، وسألوني عن علاقتي بهم". 

وتعتقد نجين أن عملاء إيرانيين اخترقوا حسابها الخاص على "تليغرام" في 12 يوليو، وقد أدركت في ذلك الوقت أن عنوان"آي بي" آخر قد تمكن من الوصول إلى الخدمة، قبل أن يتم إعادة تفعيل حسابها خلال وجودها في السجن.  

وتقول إن السلطات أعادت تنشيط حسابها لمعرفة من حاول الاتصال بها والكشف عن شبكة النشطاء الذين كانت على اتصال بهم.

كانت نجين واحدة من مئات المتظاهرين الذين اعتُقلوا في سجن إيفين، في الأسابيع القليلة الأولى من المظاهرات التي أعقبت وفاة مهسا أميني (22 عاما) في الحجز بعد أيام من اعتقال شرطة الأخلاق لها منتصف سبتمبر الماضي.

قلق من التتبع
ومع انتشار الاحتجاجات في البلاد، تعمل السلطات على الحد من القدرة على الوصول إلى الإنترنت. لكن البعض يشعر بالقلق من أن الحكومة تستخدم التكنولوجيا بطريقة أخرى من أجل الوصول إلى تطبيقات الهواتف المحمولة ومراقبة وقمع المعارضة.
ويحذر نشطاء حقوق الإنسان، داخل وخارج إيران منذ سنوات، من قدرة النظام الإيراني على الوصول عن بعد والتلاعب بالهواتف المحمولة للمتظاهرين. 

ويرى خبراء أن شركات التقنية قد لا تكون مستعدة للتعامل جيدا مع مثل هذه الحوادث.

وقال أمير رشيدي، مدير الحقوق الرقمية والأمن في منظمة "ميان غروب"، التي تقدم خدمات قانونية وخبرات تقنية للمدافعين عن حقوق الإنسان، إن الأساليب التي وصفتها نجين تتطابق مع الطرق التي يتبعها النظام الإيراني.

وأضاف: "لقد قمت بنفسي بتوثيق العديد من هذه الحالات"، مشيرا إلى أن السلطات في طهران لديها إمكانية الوصول إلى أي شيء". 

روبما تكون الحكومة الإيرانية قد استخدمت أساليب قرصنة مماثلة لمراقبة حسابات "تليغرام" و"إنستغرام" الخاصة بنيكا شاهكرامي، المتظاهرة البالغة من العمر 16 عاما والتي توفيت بعد مظاهرة في طهران في 20 سبتمبر.

وقد كشف تحقيقا سابقا لشبكة "سي أن أن" وجد أدلة تشير إلى أنها احتُجزت خلال الاحتجاجات قبل وقت قصير من اختفائها. 

وتواصلت الشبكة مع الحكومة الإيرانية للتعليق على مزاعم نجين، والاستفسارات المتكررة حول وفاة نيكا، لكنها لم تتلق ردا. 

وفتحت شركة "ميتا" المالكة لإنستغرام تحقيقا داخليا في نشاط حساب نيكا بعد اختفائها، بحسب "سي أن أن". 

وبعد اختفاء نيكا، قالت عائلتها ومتظاهرون إنه تم تعطيل حساباتها الشهيرة على "إنستغرام" و"تليغرام"، وبعد أسبوع علموا بوفاتها، ما أثار التساؤلات حول من قام بتعطيل حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي. 

وفي 12 أكتوبر، لاحظ اثنان من أصدقاء نيكا أن حسابها على "تليغرام" عاد لفترة وجيزة إلى الإنترنت، حسبما قالا لشبكة "سي أن أن"، وأنه تمت استعادة حساب الناشطة على "إنستغرام" لفترة وجيزة في 28 أكتوبر، أي بعد أكثر من شهر من اختفائها ووفاتها. 

ومثلما هو الحال في قضية نجين، فإن إعادة تنشيط حسابات نيكا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت السلطات الإيرانية مسؤولة عن الوصول إلى ملفاتها الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل اصطياد محتجين آخرين. 

ووفقا لخبراء، فإن هناك طرقا مختلفة يمكن للحكومة الإيرانية من خلالها الوصول إلى حسابات الشخص أو جهات الاتصال الخاصة به. 

وبالنسبة إلى نجين على سبيل المثال، قالت الناشطة إن السلطات، التي صادرت هاتفها بعد اعتقالها، استخدمت رقم هاتفها لإنشاء حساب على "تليغرام" لمعرفة من كانت على اتصال معه. 

وفي حالات أخرى، "يرسلون طلب تسجيل الدخول إلى "تليغرام"، وإذا لم يكن لديك عملية التحقق بخطوتين، فسيقومون باعتراض رسالتك النصية وقراءة "الكود" وهو رمز تسجيل الدخول، ثم الولوج إلى حسابك بسهولة"، بحسب الرشيدي. 

ولهذا السبب، رحب بعض النشطاء الإيرانيين عندما قدمت "غوغل" خدمة التحقق من خطوتين في عام 2016، لتضيف طبقة من الأمان لمستخدمي الهواتف المحمولة.

لكن بحسب الرشيدي، فإن "الحكومة الإيرانية تدير البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية بالكامل في إيران"، وهو ما يعني أن النظام الإيراني لا يحتاج إلى شركات اتصالات للعمل معها. 

وردا على طلب "سي أن أن" للتعليق، قال المتحدث باسم "تليغرام"، ريمي فاون: "نقوم بشكل روتيني بمعالجة العشرات من الحالات المماثلة التي تحال إلينا من نشطاء من منظمات موثوقة ونعطل الوصول إلى الحسابات المخترقة". 

وأضاف فاون: "في البلدان ذات الحكم الاستبدادي، مثل إيران، من المحتمل أن تعترض السلطات أي رسالة نصية قصيرة، لذلك من المهم للمستخدمين تمكين التحقق بخطوتين، والذي يتطلب إدخال كلمة مرور إضافية أنشأها المستخدم عند تسجيل الدخول، بالإضافة إلى رمز تسجيل الدخول عبر الرسائل القصيرة. من المهم أيضا أن يستخدم هؤلاء المستخدمون تطبيقات "تليغرام" الرسمية من مصادر موثوقة".

وأشار إلى أن الشركة قامت بحظر آلاف المنشورات التي حاولت معرفة هوية المتظاهرين في إيران، "وكان من الممكن أن يتم الوصول إلى مئات الآلاف لولا تدخلنا. نحن دائما نراقب بشكل استباقي ما يواجهه جمهور منصتنا، للعثور على مثل هذا الاستخدام الخاطئ". 

من جانبه يؤكد الرشيدي أنه "يجب على شركات التكنولوجيا أن تعمل مع المجتمع المدني للتأكد من أن هذه الأنظمة الأساسية آمنة، خاصة لأولئك المعرضين للخطر".