إيران تراهن على إبقاء بيروت خط المواجهة المتقدم.. أيّ توظيف لسلاح الحزب؟

جدّد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني عشية زيارته للبنان تمسّكه بـ"المقاومة" كجزء لا يتجزأ من شعوب المنطقة، داعياً إلى الحفاظ على قدراتها، فيما كان مسؤولون إيرانيون يعلنون رفضهم تسليم سلاح "حزب الله" وحصره بيد الدولة. هذا هو موقف إيران بمعزل عن كلام لاريجاني الديبلوماسي في بيروت، ومنه تعود إيران إلى إنعاش "ذرائعها" في المنطقة، على الرغم من أنها خسرت سوريا وخرجت منها كحلقة وصل رئيسية بين قوى المحور. وفي الواقع، لم تغيّر طهران من تعاملها مع عواصم المنطقة، خصوصاً لبنان، بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على إيران والضربات الأميركية لمواقعها النووية، فإذا بها تسعى إلى التوظيف مجدداً لتأكيد نفوذها في مقابل الهيمنة الأميركية من دون أن يكون لديها أذرع قوية كانت تعتبر أنها تشكل توازن ردع مع إسرائيل وتوظفها كعنصر ضغط في المفاوضات مع الغرب.

جاء لاريجاني من العراق مباشرة إلى بيروت، وفي العادة كان المسؤولون الإيرانيون يحطون في دمشق، النقطة الأساسية على خط طهران، بغداد، دمشق وبيروت، لكن العاصمة السورية قُطعت سياسياً وديبلوماسياً وأمنياً بعد سقوط نظام الأسد وانتهاء النفوذ الإيراني فيها، فلم يبق غير بغداد التي لها ظروفها الخاصة واتفاقاتها مع واشنطن، وبيروت اليوم التي لم تعد خط المواجهة الأول، بعدما اختنقت بفعل الحرب الإسرائيلية قبل أن تتنفس باستعادة المؤسسات الدستورية التي قررت عبر مجلس الوزراء حصر السلاح بيد الدولة والعمل على انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة.

تراهن إيران وتعمل على إبقاء بيروت خط المواجهة المتقدم، ولذا كان رفضها لقرار حصر السلاح وسحبه من "حزب الله"، ولا تعترف بأن الترسانة أو ما بقي منها لم تعد لها وظيفة، وأنها أُخرجت من المقاومة ضد إسرائيل. وإن كان الإيرانيون واجهوا الحرب الإسرائيلية التي غطت سماء المدن الإيرانية، وقصفوا بصواريخهم البالستية عمق إسرائيل، فإنهم رغم الخسائر التي تعرّضوا لها، ما زالوا يراهنون على قوى المحور، خصوصاً "حزب الله"، وإن كانت قواعد الاشتباك السابقة لم تعد قائمة، فإذا استمرت طهران في الرهان نفسه، ومحاولات التوظيف ذاتها، فإنها تدفع بذلك لبنان إلى مزيد من التأزم وحتى الانتحار وقد تجرّه عبر ذراعها إلى مغامرات لم تكن حرب الإسناد التي خاضها الحزب سوى عيّنة منها، وقد أدّت إلى نتائج كارثية على لبنان وعلى بيئة "المقاومة"، وفرضت شروط استسلام لم يعد معها الحزب قادراً على رفع السلاح في مقاومة الاحتلال.

لا يُصرف الكلام الإيراني عن دعم لبنان الرسمي، ما دامت طهران ترفض قرار الدولة حصر السلاح بيدها، وبإعلانها أن قرار الحكومة لن ينفذ، يعني أنها تريد الاستمرار في توظيفها الإقليمي لذرائعها تماماً مثلما تحاول في العراق إجهاض قرار الحكومة بحصر سلاح الحشد الشعبي بيد الدولة. وإن كان رهان استعادة النفوذ يأتي من الإبقاء على السلاح رغم انتهاء وظيفته، في مقاومة الاحتلال، فإن كلامها على استعادة الحزب قدراته العسكرية، يمنح أيضاً الذرائع لإسرائيل في استمرار استباحتها للبنان. أما الرهان اليوم على نفوذها في العواصم لتوظيفه في المفاوضات، فبات مجرد أوهام وربما هذيان وأكثر؟