إيران تعاني.. عقوبات من جهة وتهديدات عسكرية من جهة أخرى

شهد الأسبوع الأول بعد تفعيل آلية الزناد، وعودة عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران، مشهداً معقداً من التداعيات الاقتصادية والنفسية التي بدأت تظهر على الاقتصاد والمجتمع الإيرانيين.

وفي حين تشير بعض التحليلات إلى أن الآثار الفعلية لهذه الخطوة قد تكون محدودة بسبب وجود عقوبات أميركية أقسى سابقاً، لكن الآثار النفسية والانعكاسات على الأسواق تبدو واضحة، حيث تشهد البلاد تراجعاً حاداً في قيمة العملة، وارتفاعاً في معدلات التضخم، وسط مشاعر من عدم اليقين بشأن المستقبل.

 

انهيار قيمة العملة وتآكل المدخرات

شهدت العملة الإيرانية تراجعاً حاداً خلال الأسبوع الماضي، حيث وصل سعر الدولار إلى ما يقرب من 120 ألف تومان، قبل أن يصحح السعر قليلاً عند 116 ألف تومان، أمس الجمعة، مما يعني خسارة ما يقرب من 16 إلى 20٪ من قيمة المدخرات النقدية للإيرانيين. وهذا التدهور جعل العملة الإيرانية تحتل المرتبة الأولى كأقل العملات قيمة في العالم إذا استثنينا فنزويلا، التي تواصل حذف الأصفار من عملتها.

ويرى محافظ البنك المركزي الإيراني، أن هذه القفزة ناتجة عن الحرب النفسية التي تشنها القنوات المشبوهة على منصة "تلغرام"، من خارج إيران، بهدف نشر الذعر. ويؤكد خبراء اقتصاديون أن سوق الصرف تشهد حالة من الهياج والعوامل النفسية، حيث أن حجم التداولات منخفض ولا يوجد طلب حقيقي كبير على العملة.

 

تداعيات على القطاع العقاري

بالتوازي مع ارتفاع سعر الدولار، تشهد أسعار البيوت في إيران تراجعاً ملحوظاً، مما يعكس رغبة العديد من المواطنين إلى تحويل أموالهم من القطاع العقاري إلى الاستثمار في الدولار أو الذهب، كملاذ آمن لحماية مدخراتهم. وتشير تحليلات إلى أن البنك المركزي، يعمل على تعزيز الاحتياطيات من الذهب كبديل استراتيجي لمواجهة هذه التحديات، حيث تمت إضافة كمية كبيرة من الذهب إلى الاحتياطيات الاستراتيجية خلال العامين الماضيين.

 

مخاوف من هجوم عسكري محتمل

بعد تفعيل آلية "الزناد"، شهدت المنطقة تحركات لطائرات التزود بالوقود الأميركية، مما عزز مخاوف عامة من هجوم عسكري محتمل من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل. وبما أن هذه التحركات تجري بعد تنفيذ العقوبات الأممية المقررة في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينطبق على الدول التي تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ربما يوفر ذريعة إضافية لأي عمل عسكري مستقبلي.

ورداً على هذه التحركات، صرح وزير الدفاع الإيراني الجنرال نصير زاده: "بصرف النظر عما إذا كان الأميركيون لديهم تلك التحركات أم لا، فإننا كقطاع عسكري يجب أن نكون مستعدين بشكل منتظم للدفاع عن البلاد". وأضاف أن "الجزء الأكبر من هذه التحركات، هو عمليات نفسية، ويكررون باستمرار أن الهجوم سيحدث لخلق مشكلة للمجتمع وتعطيل الاستقرار الاقتصادي".

 

جدل الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية

وعلى الرغم من أن الدبلوماسيين الإيرانيين، أشاروا إلى خيار الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، كعامل ردع لأوروبا في وجه تفعيل "آلية الزناد"، إلا أنه بعد التفعيل، لم يؤيد أي مسؤول دبلوماسي إيراني الخروج من تلك المعاهدة كرد مناسب. ويُعتقد أن تكلفة الانسحاب من المعاهدة وإنتاج السلاح النووي باهظة جداً، مما يجعل هذا الخيار غير عملي في الظروف الحالية.

في المقابل، وفي تطور مفاجئ، وافق مجمع تشخیص مصلحة النظام، الذي كان قد امتنع لمدة 7 سنوات عن الانضمام إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب (CFT)، على الانضمام إليها بعد أيام قليلة من عودة العقوبات. وقد أثار هذا القرار جدلاً واسعاً، حيث كان يعارض في السابق بحجة أن الانضمام اليها "سيقيد يد إيران عن تقديم المساعدة المالية للجماعات التابعة لها، مثل حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، والحوثيين في اليمن".

بينما يرى المؤيدون أن عدم الانضمام، يسبب خسائر اقتصادية جسيمة لإيران، ويبقيها في القائمة السوداء لفريق العمل المالي (FATF)، علماً أن الدعم المالي الإيراني لهذه الجماعات لا يتم عبر القنوات الرسمية حتى تمنعه اتفاقية "CFT".

تعيش إيران حالياً واحدة من أقسى وأصعب الفترات في تاريخها، إذ تواجه في آن واحد، عقوبات اقتصادية دولية، وخطر اجتياح عسكري، فضلاً عن أزمات داخلية متعددة اجتماعية وأمنية. الجمهورية الإسلامية تعاني من الخطأ في إدراك الواقع، والتأخر في اتخاذ القرارات، وافتقاد الشجاعة اللازمة.