المصدر: الجريدة الكويتية
الثلاثاء 28 تشرين الأول 2025 01:24:45
تشهد إيران منذ أسابيع توتراً سياسياً متصاعداً بين مراكز القوى داخل النظام، لا سيما بين الأصوليين المسيطرين على مجلس الشورى من جهة، والرئيس المعتدل السابق حسن روحاني ووزير خارجيته الأسبق محمد جواد ظريف من جهة أخرى، الذي اضطر قبل أشهر إلى الاستقالة من منصب نائب الرئيس الحالي مسعود بزشكيان للشؤون الخارجية.
واتخذت هذه المواجهة عناوين عدة، بينها الملف النووي والتفاوض المباشر مع واشنطن وأداء حكومة روحاني في المفاوضات النووية، وملف اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وصولاً إلى العلاقات مع روسيا والصين، فضلاً عن قانون الحجاب الإلزامي.
بدأ السجال بعد إطلاق الأوروبيين آلية الزناد المنصوص عليها في الاتفاق النووي، عندما انتقد الأصوليون موافقة ظريف وروحاني على هذه الآلية عند التوصل إلى الاتفاق في 2015، واتهموهما بخداع المرشد علي خامنئي للموافقة على الاتفاق.
ورد ظريف باتهام روسيا بتخريب علاقات طهران الدولية، وقال إن الروس كانوا منذ البداية معارضين للاتفاق النووي، لأن «الخط الأحمر لديهم هو العلاقات الطبيعية بين إيران والعالم».
بدوره، كشف روحاني أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ نظيره الأميركي دونالد ترامب بعد خروج الأخير من الاتفاق النووي في 2018 أن «إيران ستنسحب بدورها من الاتفاق، وبذلك تعود القرارات والعقوبات الأممية إلى السريان، غير أن طهران تصرفت بحكمة ولم تقدم على ذلك»، داعياً «أولئك (المتشددين الأصوليين) الذين أحرقوا وثيقة الاتفاق النووي في البرلمان الإيراني آنذاك إلى أن يلتزموا الصمت تماماً الآن».
وتفاعلت الأزمة مع دخول مستشار المرشد علي شمخاني على الخط ضد روحاني وظريف، نافياً روايتهما بشأن عدم إبلاغهما بمسؤولية الحرس الثوري عن إسقاط الطائرة الأوكرانية بعد اغتيال قاسم سليماني في 2020 إلا بعد أيام.
ووجّه الأصوليون اتهامات لروحاني وظريف بالرد على تكذيب شمخاني لهما بتسريب فيديو مثير للجدل لزفاف ابنته.
كما اتهم القائد الأسبق للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، روحاني ب «التشجيع على تطوير صناعة الصواريخ والاهتمام بميزانية الدفاع»، ما استدعى تحذيراً من حسام الدين آشنا، مستشار روحاني، بعد «فتح صندوق باندورا»، ملوِّحاً بنشر وثائق عن «المكاسب المالية لقادة الحرس».
وخلال جلسة لمجلس النواب، هاجم رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف ظريف وروحاني متهماً إياهما بالإضرار بعلاقات إيران مع روسيا بهدف إيصال البلاد إلى حافة الانهيار.
وأظهر شريط مصور نواباً خلال الجلسة نفسها وهم يهتفون «الموت لفريدون» في إشارة إلى اسم عائلة روحاني قبل الثورة.
وكان بزشكيان نفسه تبادل اتهامات مع الأصوليين بالمسؤولية عن الوضع الاقتصادي المزري، مشيراً إلى أن إيران تعوم على بحيرة من النفط والغاز «لكننا جياع».
وأثار تسامح حكومة بزشكيان مع عدم التزام عدد كبير من الإيرانيات بالحجاب، وانتشار تسجيلات لحفلات موسيقية مختلطة في شوارع طهران، حفيظة الأصوليين، الذين يتهمون الرئيس الإيراني المحسوب على الوسطيين بعرقلة قانون الحجاب والعفة الذي أقره المجلس.
وشارك الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي في السجال، وقال، في تصريح أمس، إن «الإيرانيين اتحدوا خلال حرب ال 12 يوماً، وإن النظام قال للناس اهتفوا من أجل إيران»، مضيفاً: «لكن مجرد الهتاف لا يكفي، بل يجب أن يكون هناك اهتمام عملي بإيران. ويجب تبني الإسلام الوسطي».
ومقارناً بين وضع تركيا وإيران، أضاف خاتمي: «لا أريد أن أقول إن تركيا نموذج لنا، لكن تركيا لا تملك قطرة نفط واحدة، ومع ذلك استطاعت اليوم عبر السياحة والصناعة أن تتقدم علينا كثيراً.
نحن كنا نملك النفط وهي لم تملكه، لكن دخلها من السياحة أكبر من إجمالي دخلنا النفطي».
ويرى مراقبون إيرانيون أن السبب الحقيقي لهذه الأجواء المتوترة هو حرب بالوكالة على خلافة المرشد الحالي علي خامنئي، بعد أن فشل مجلس خبراء القيادة عدة مرات في الاتفاق على تعيين خليفة له، وافتقاد الأصوليين لمرشح قوي بعد أن أصرّ خامنئي على استبعاد نجله مجتبى من قائمة المرشحين لخلافته.
ويلفت هؤلاء إلى أن قضية إقفال مصرف آينده (المستقبل) المملوك لعلي أنصاري اليد اليمنى لمجتبى خامنئي في الأمور التجارية، وكشف انتهاكاته المالية الواسعة، كان ضربة مالية من الإصلاحيين لمجتبى الذي لا يزال بعض الأصوليين يرون فيه مرشحاً محتملاً لخلافة ولاده، وذلك رداً على محاولات الطعن بروحاني الذي يراه الكثير من الإصلاحيين الأكثر قدرة وتجربة لإدارة البلاد في المرحلة المقبلة.