المصدر: النهار
الكاتب: علي حمادة
الجمعة 14 آذار 2025 07:59:51
التحضيرات والتدريبات والمناورات العسكرية التي تجريها القوات الأميركية والإسرائيلية والتي تحاكي ضربة محتملة وكبيرة على الداخل الإيراني، أكان على المنشآت النووية أو النفطية، إن حصلت ستكون حدثاً خطيراً للغاية. وخطورتها يمكن أن ينتج عنها مضاعفات على صعيد الإقليم.
ويمكن لإيران أن تتخلى عن سياستها الحذرة في مواجهة الأميركيين والإسرائيليين لتتجاوز خطوطاً حمراً لم تتجاوزها لا مع واشنطن ولا مع تل أبيب.
طبعاً لا يمكن لإيران أن تواجه الطرفين في معركة واسعة ومفتوحة. ولا يمكن لطهران أن تعتمد على تحالفها مع روسيا، فيما تشارف الأخيرة على إنهاء حربها الكارثية مع أوكرانيا برعاية أميركية. أما الصين فهي بعيدة عن المواجهة بشكل عام، وإن كانت مهتمة بحماية إيران المزعجة للسياسة والمصالح الأميركية.
لكن على الرغم من خطورة أي هجوم محتمل على إيران، بالنسبة إلى الوضع الداخلي كون أحد أهم أهداف أي ضربة على إيران هو خلق حالة انهيار للنظام أمام موجة احتجاجات يمكن أن تنفجر مع تلقيها ضربة أميركية-إسرائيلية تكسر هيبة النظام، فإن مواصلة إسرائيل والولايات المتحدة فكفكة الجبهة التابعة لإيران في الشرق الأوسط قد تكون الطريق الأسرع إلى انهيار النظام من الداخل.
من هنا يمكن فهم التقديرات الاستخباراتية الغربية التي كشف عنها في الآونة الأخيرة حول أهمية وخطورة خسارة إيران الساحة العراقية بفعل الضغوط الأميركية على الاقتصاد، وبالتالي على الشارع العراقي الذي تبدو عليه ملامح حالة غليان اجتماعي واقتصادي، إضافة إلى حالة النزاعات الأهلية الطائفية والإثنية، معطوفاً عليهما تفشي الفساد الفلكي الذي يجتاح جميع مستويات السلطة الرسمية وغير الرسمية.
من هنا فإن تحلل الساحة العراقية واتجاهها نحو الانهيار السياسي والمؤسساتي، مع تعرض العراق المحكوم من تحالف الفصائل والأحزاب والشخصيات المرتبطة بطهران لضربة أو ضربات عسكرية إسرائيلية وأميركية تستهدف بنى تحتية خاصة بالحشد الشعبي، وشخصيات عسكرية وأمنية من الحشد تماماً كما حصل مع "حزب الله" في لبنان، يمكن أن يؤدي إلى انهيار سياسي للتركيبة الحاكمة منذ العام 2003 وانهيار أكبر استثمار سياسي وأمني للثورة الإيرانية منذ 1979.
هذه هي الضربة التي يعتبر عدد من الخبراء المتخصصين بالشأن الإيراني أنها مقتل النظام الإيراني، مع تجفيف مصادر تمويله بالعملات الصعبة من الساحة العراقية، إلى حد أن الداخل الإيراني سيرى بهذا الانهيار الذي يعقب انهيار الساحة السورية وقبلها الساحة اللبنانية نوعاً من الإشارة إلى أن أيام النظام الإيراني باتت معدودة.
وعليه فإن دفع الساحة العراقية المحكومة من طهران نحو الانهيار ستنتج عنه مضاعفات إقليمية بالنسبة إلى كل البناء الإقليمي السابق الذي أقامه قاسم سليماني، والداخلي في إيران. وأهمية تحطيم البناء الإيراني في العراق بدلاً من توجيه ضربة عسكرية ساحقة على الأراضي الإيرانية نفسها سيمنع طهران من الرد المباشر، وسيقيدها ويدفعها إلى التقوقع داخل حدودها، مع فقدانها لهوامش التحرك والمناورة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وحلفائهما في المنطقة. كما سيرفع عن موسكو حرج عدم التدخل لمساعدة حليفها الإيراني، وسيقيد قدرة الصين على المساعدة إلى أقصى الحدود.
بناء على ما تقدم تبدو الساحة العراقية مرشحة لتطورات شديدة الخطورة في مقبل الأسابيع. ولذلك يقال إن احتمال خسارة العراق يؤرق القيادة الإيرانية إلى حد بعيد، وأن اهتزاز النفوذ الإيراني في الساحة العراقية قد يدفع إيران والفصائل المرتبطة بها إلى المجازفة بطرح مسألة التقسيم، وإنشاء كانتون شيعي يمتد من الجنوب إلى شمال العاصمة بغداد، مشتملاً على المناطق الغنية بالنفط. هذا الطرح ليس يتيماً، بل إن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي طرحه علناً أمام وسائل الإعلام.
أكثر من ذلك ومع الكشف عن المطالب الأميركية التي قدمت إلى رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، من المهم إدراك حراجة الموقف الإيراني في العراق؛ فالمطلوب وفق المعلومات التي رشحت من الإعلام الغربي ومصادر المعلومات الاستخبارية المفتوحة أن حل "الحشد الشعبي" يتصدر الطلبات، إضافة إلى قطع مصادر التمويل بالعملات الصعبة التي يستفيد منها النظام الإيراني، وأخيراً وليس آخراً إدخال تغييرات على تشكيلة السلطة، والقوات المسلحة.
في مطلق الأحوال لا نستغرب أن يكون التقييم الراجح لموقف إيران يميل إلى اعتبار الساحة العراقية آخر الساحات الخارجية التي تشكل متنفساً سياسياً، أمنياً، عسكرياً ومالياً للنظام الإيراني. وإذا ما انقلب الميزان في العراق سوف يتأثر الداخل الإيراني إلى حد بعيد من دون أن يتورط الأميركي والإسرائيلي بحرب لا شعبية لها لا في الولايات المتحدة ولا في إسرائيل نفسها. إذاً كل الأعين على العراق آخر الساحات!