المصدر: النهار
الكاتب: خيرالله خيرالله
الثلاثاء 30 أيلول 2025 07:48:05
ليس حدثاً عادياً فرض مجموعة عقوبات دولية على إيران، مجدّداً، على خلفية برنامجها النووي. سبق لهذه العقوبات أن رفعت بموجب اتفاق عام 2015 الذي وقعته "الجمهوريّة الإسلاميّة" مع مجموعة البلدان الخمسة زائداً واحداً، أي البلدان الخمسة ذات العضوية لدائمة في مجلس الأمن التي أضيفت إليها ألمانيا. كانت الولايات المتحدة أول من انسحب من الاتفاق في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب.
تشير عودة العقوبات على "الجمهوريّة الإسلاميّة" إلى وجود رغبة غربيّة في التعاطي مع إيران بطريقة مختلفة في ضوء المعطيات الإقليمية التي نشأت عن حرب غزة التي بدأت قبل عامين من جهة وخسارة إيران لكلّ الحروب التي خاضتها على هامش حرب غزّة من جهة أخرى. تبدو إيران غير مستعدّة لدفع ثمن هزائمها الإقليمية. يؤكد ذلك الإصرار على استخدام "حزب الله" في حربه المستمرّة على الدولة اللبنانيّة وعلى اللبنانيين، فضلاً عن استخدام الحوثيين في التسبّب بإزعاج فعلي لإسرائيل غير آبهة بأوضاع اليمنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة هؤلاء.
بات السؤال الآن كيف ستردّ طهران على هذه الطريقة المختلفة في التعاطي الغربي معها رافضة أخذ العلم بما حدث في المنطقة من تغيّرات؟ يظلّ أبرز هذه التغيّرات الخروج الإيراني من سوريا وعودة سوريا إلى بلد تحكمه الأكثريّة السنّية بغضّ النظر عمّا سيحلّ بالنظام القائم حالياً برئاسة أحمد الشرع والتأييد الدولي الذي يحظى به. لا ترجمة واضحة لهذا التأييد غير تأكيد أنّه لا عودة إيرانيّة إلى سوريا في يوم من الأيّام.
فُرضت العقوبات مجدداً بعدما فعّلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، المعروفة بدول الترويكا، "آليّة الزناد" المدرجة في اتفاق عام 2015، متّهمة طهران بعدم الإيفاء بالتزاماتها. لم تمض ساعات على الإعلان عن عودة العقوبات، التي تستهدف شركات ومنظمات وأفراداً يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في برنامج إيران النووي أو تطوير صواريخها الباليستية، حتّى طرأ هبوط آخر على سعر العملة الإيرانيّة.
من الواضح أنّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" تتصرّف وكأنها لم تخسر سوريا ولم تخسر "حزب الله" الذي لو لم يُهزم في الحرب التي خاضها مع إسرائيل (حرب إسناد غزّة)، لما سمح بانتخاب جوزف عون رئيساً للجمهورية مطلع هذه السنة ولما كانت توجد حكومة لبنانيّة برئاسة نواف سلم...
لن يكون سهلاً التعاطي الغربي مع "الجمهوريّة الإسلاميّة" وبرنامجها النووي وصواريخها. يعود ذلك إلى أن إيران ما زالت تعتقد أنّ لديها ما يكفي من الأوراق التي تسمح لها بأن تكون لاعباً إقليمياً ودولياً. يدلّ على ذلك تعطيل الحياة السياسيّة في لبنان عن طريق التمسّك بسلاح "حزب الله" مع ما يعنيه ذلك من بقاء للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان ومن خطر تجدّد الحرب الإسرائيلية على البلد. ليس سرّاً أن إسرائيل أعدّت نفسها لضرب أهداف في كلّ لبنان بينما لا استعداد أميركيّاً من أيّ نوع لردعها.
مرّة أخرى يبدو أن لدى إيران حساباتها التي تنطلق من أنّه ليس مهمّاً ما يحلّ بلبنان واللبنانيين واليمن واليمنيين. المهمّ بالنسبة إليها تحدّي دول المنطقة والعالم ورفض الاعتراف بالتغيير الكبير الذي حصل في الإقليم. فوق ذلك كلّه، هناك إصرار إيراني على وجود تفاهمات بين "الجمهوريّة الإسلاميّة" من جهة ودول الخليج العربي وأهداف مشتركة مع هذه الدول من جهة أخرى.
تردّ إيران عملياً على العقوبات بالتظاهر بأنّ كل شيء على ما يرام بالنسبة إليها. لا يزال النظام يعتقد أنّ في استطاعته تصدير أزماته إلى خارج الحدود وأنّ العراق لا يزال في الجيب الإيرانيّ... كذلك لبنان وجزء من اليمن.
ستستمر "الجمهوريّة الإسلاميّة" في ممارسة تجارتها المفضّلة القائمة على استخدام أدواتها الإقليمية غير آبهة بأنّ عليها الانصراف إلى معالجة أوضاعها الداخلية، بما في ذلك حال العطش التي تعاني منها مناطق عدّة بما في ذلك مدينة طهران...
متى تتصالح إيران مع العالم بدل الاعتقاد بأنّها قادرة على الاستمرار في تحدّي محيطها المباشر والغرب، ممثلاً بأوروبا وأميركا، وأنّ روسيا والصين ستسمحان لها بالتحايل على العقوبات الدوليّة؟