المصدر: النهار
الكاتب: مجد بو مجاهد
الخميس 28 آذار 2024 07:32:56
يولي مجلس الوزراء اللبنانيّ أهمية متسارعة لضرورة إيجاد حلول للملف الخاصّ في كيفية فرز العناصر الأمنية والآليات العسكرية الموضوعة بتصرّف شخصيّات خلافاً للقانون، بعدما أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قراراً جديداً هادفاً للعمل على إنهاء هذه المسألة التي لا تزال تحتاج البحث في ترتيب مضامينها النهائية رغم كلّ الإيعازات السابقة التي لم يسبق أن عجّلت الاستجابة الضرورية.
ماذا في الأسباب التي سرَّعَت وتيرة إصدار ما يحبّذ متابعون حكوميّون اعتباره بمثابة "إنذار نهائي" أعربت عنه رئاسة الحكومة بعدما كانت وجّهت نداءات سابقة هادفة للحدّ من الفوضى الناشبة على نطاق كيفية فرز العناصر الأمنية؟ حرصت رئاسة الحكومة على تأكيد ضرورة التوصل للحلول التنظيمية في هذا الملف، بعدما كانت حذّرت من مغبّة الإبقاء على العشوائية الحاصلة، فيما يقول المتابعون الحكوميون لـ"النهار" إنّها "فوضى تسبّب بها رئيس جهاز أمن الدولة الذي أخذ على عاتقه تكثيف عديد العسكريين الذين فرزوا لمصلحة بعض الشخصيات من دون احترام ما ينصّ عليه القانون رغم كلّ الإيعازات التي كانت وجّهت في مرحلة سابقة من دون أن تلقى صدى أو تغييراً في الأداء الفوضويّ. والحال هذه، اضطر رئيس الحكومة لإرسال كتاب رسميّ جديد بعد كلّ النداءات السابقة للتأكيد على عدم إمكان الإبقاء على الأوضاع الحالية. ولا تعتبر الخطوة التي اتّخذها ميقاتي مفاجئة، إنما تأتي نتيجة تراكمات بعد مراسلات كانت توجّهت بها الحكومة اللبنانية منذ مرحلة تشكيلها".
ثمة معضلة حقيقية باتت تعاني منها الدولة اللبنانية بسبب الفرز العشوائي للعديد إضافة للآليات التي وضعت أيضاً في حوزة بعض الشخصيات على حساب الخزينة اللبنانية من دون أن تكون هناك قدرة لدى الدولة على تحمّل التبعات الماديّة وسط تراكمات سابقة لا يمكن تحمّلها مع ضرورة الحسم النهائي. وقد طلبت الحكومة اللبنانية في السياق أن تحصل على المعطيات حول كيفية فرز العديد وطريقة توزيع العسكريين بما يشمل بعض الشخصيات التي منها لا علاقة لها في العمل السياسيّ أو لا تحوز مقعداً نيابياً أو وزارياً في المرحلة الحالية. في استنتاج المتابعين الحكوميين، إنّ "الكتاب الذي وجّهته رئاسة الحكومة هو بهدف وضع الملف على سكّة الحلّ بعد كلّ النداءات السابقة التي أغفلت في ظلّ عدم احترام للقانون واستخفاف البعض بالدولة اللبنانية". والجدير ذكره، أنّ الكتاب الذي وجّهه رئيس الحكومة إلى وزارة الداخلية أكّد أهمية سحب العسكريين الذين فرزوا بطريقة غير قانونية سواء كانوا يتبعون إدارياً لمديرية حماية الشخصيات أو لأي إدارة فيها مع الإشارة إلى أنه في حال وجود استثناءات قد تفرضها الأسباب والأوضاع الأمنية لا بدّ أن تعرض على مجلس الأمن المركزي لإجراء المقتضى بشأنها ويبلّغ عنها إلى رئاسة مجلس الوزراء. وطلبت رئاسة الحكومة إعداد تقرير شامل ومفصل يتضمن جميع الشخصيات المعنية والضباط والعناصر والآليات الموضوعة بتصرفها مع بيان السند القانوني المبرّر في مهلة أقصاها شهر.
لم تتغيّر حال المراوحة في الملف الخافت رغم تداوله بكثرة في الإعلام اللبنانيّ، فإذا به يحتاج البحث عن سبل جذرية رغم أسلوب التغافل عنه أو محاولة رميه خارج صلاحيات البعض. وقد اتخذت رئاسة الحكومة قراراً أكثر حزماً من ناحيتها، وسط المتابعة الإعلامية الحثيثة للموضوع ونتيجة عدم قدرة الدولة اللبنانية على تحمّل مصاريف إضافية خصوصاً أن لديها معطيات عن فرز عشرات العناصر لمصلحة بعض الوزراء السابقين رغم تراجع العديد والحاجة للتطويع الأمني وتدني الرواتب. ولا تنحصر الفوضى في فرز العناصر، إنما هناك فوضى تنظيمية للتشريع بعدما كان لاقى المرسوم 9785 الذي أعدّ في آب 2022 اعتراضات بما أدّى إلى عدم نشره في الجريدة الرسمية حينذاك وعدم العمل به. وأبقيَ على المرسوم السابق 2512 لناحية كيفية تنظيم مرافقة وحماية الشخصيّات أو المراجع، لكن ثمة استفهامات يطرحها خبراء قانونيون حول هذه الفوضى التنظيمية للتشريع طالما أنّه كان حصل إعداد مرسوم آخر وإن لم ينشر. إلا أن الإشكالية قديمة ولا ترجع للعام 2009 سنة إصدار المرسوم 2512، إنما بدأت عام 2005 نتيجة الاغتيالات ما أدى إلى تأمين الحماية للصحافيين والسياسيين والمقرّات الحزبية إضافة للشخصيات الرسمية. ثم جرت محاولات تنظيميّة ووضعت معايير وجداول.
تذكيراً في ما ينصّ عليه المرسوم 2512 فإنّه وبحسب المادّة الأولى منه، تكلّف وزارة الدفاع الوطني - قيادة الجيش بمهمّة مرافقة وحماية رؤساء الجمهورية السابقين على أن تؤمّن 10 عسكريين متطوعين للمرافقة. وتحدّد قيادة الجيش رؤساء الجمهورية السابقين المهدّدين بالخطر وحجمه وكيفية حمايتهم. وتنصّ المادة الثانية على تكليف المديرية العامة لأمن الدولة بمرافقة وحماية الشخصيات الواردة في الجدول 1 المرفق بالمرسوم، بناء على طلب تلك المراجع وكذلك حماية تلك المهددة بخطر فعلي. وتشير المادة الرابعة من المرسوم 2512 إلى تحديد مجلس الأمن الداخلي المركزي الشخصيات أو المراجع المهدّدة بخطر فعلي، وتقييمه درجة الخطر وكيفية الحماية من قبل المديرية العامة لأمن الدولة. وبناءً على المادة الخامسة، تطلب الشخصيات المهددة بخطر فعلي حمايتها بموجب كتاب خطي ترفعه إلى مجلس الأمن الداخلي المركزي بواسطة المديرية العامة لأمن الدولة. وتنصّ المادة السادسة على ضرورة أن تكون الشخصية مقيمة في لبنان، وأن تستفيد من تدابير الحماية المخصصة لصفة واحدة في حال حملها لأكثر من صفة، وأن لا تكون حمايتها مؤمّنة بحكم وظيفتها من قبل مؤسسات عسكرية أو أمنية أُخرى. وانطلاقاً من المرسوم 2512، يحقّ للوزير الحالي 4 عناصر، للنائب الحالي 4 عناصر، لرئيس جمهورية سابق 10 عناصر، لرئيس مجلس نواب سابق 8 عناصر، لرئيس مجلس وزراء سابق 8 عناصر، لرئيس طائفة مقيم في لبنان 6 عناصر.
ساهم انخفاض العديد والقدرة المادية المحدودة للدولة اللبنانية في البحث عن حلول سريعة. ولا يمكن معرفة العدد الكليّ للعسكريين الذين فرزوا للحماية الأمنية حالياً قبل أن يتقدّم كلّ جهاز بالتقرير الذي طلبته الحكومة. لا يمكن إغفال الوضع المالي الخافت للأجهزة حتى في حال قرّر أي جهاز الانفاق من نفقاته الخاصة. حتى أن النفقات السريّة للأجهزة الامنية التي تعتبر طريقة إنفاقها والجهات المستفيدة منها غير معروفة ولا تخضع لرقابة مالية أو إدارية قد تراجعت بشكلٍ كليّ بعد مرحلة الانهيار الاقتصاديّ. وبحسب دراسة حديثة لـ"الدولية للمعلومات" فإنّ النفقات وفقاً لسعر صرف الدولار وصلت عام 2018 إلى 31.8 مليون دولار وإذا بها تنخفض عام 2024 إلى 1.379 مليون دولار فقط، بعدما بلغت قيمة النفقات السرية للأجهزة الأمنية في مشروع قانون موازنة 2024 حوالي 122.7 مليار ليرة لكنّ قيمتها لا تزال مضمحلّة نتيجة التدهور الحاصل في سعر الصرف.