إتحاد المتن الشمالي: فوزٌ للفشل المُزمن على حساب التغيير الذي بدأ من بكفيا!

رغم إعادة انتخاب ميرنا ميشال المرّ لرئاسة اتحاد بلديات المتن الشمالي، إلا أنّ الصورة الحقيقية للسلطة داخل هذا الاتحاد تكشف عن واقع مغاير تمامًا لما يظهر في الشكل. فالرئاسة الاسمية لا تبدو سوى واجهة، بينما القرار الفعلي ظلّ ولا يزال بيد الوزير السابق إلياس المرّ، الذي يتحكّم بمفاصل الاتحاد من خلف الستار، مستندًا إلى نفوذ تاريخي وشبكة مصالح متشابكة. هذا التحكم غير المعلن أرخى بظلاله على الأداء العام للاتحاد، فطوال السنوات الماضية لم يُسجَّل أي إنجاز يُذكر يعكس حجم الموارد التي رُصدت، ولا الرهانات التي بُنيت على دور الاتحاد في التنمية المحلية.

المشاريع التي خُصّصت لها ميزانيات طائلة بقيت حبرًا على ورق أو وُلدت مشوّهة. وبدل أن يكون المتن الشمالي نموذجًا للحوكمة المحلية الرشيدة، تحوّل إلى مساحة لتجريب الخطط المرتجلة وتدوير الفشل. فلا طاقة بديلة استُثمرت، ولا بنية تحتية دُعمت، ولا مبادرات جدّية طُرحت للاستفادة من الإمكانات الطبيعية والمالية التي تمتلكها المنطقة. لم يُبادر الاتحاد إلى إقامة محطات شمسية مشتركة، ولم يُقدِّم دعمًا ملموسًا للبلديات في مجال التحوّل نحو الطاقة النظيفة، رغم ما يفرضه الواقع من تحديات بيئية واقتصادية ملحّة. كل ذلك في وقت تحقّق فيه اتحادات أخرى إنجازات ملحوظة بموازنات أقل وإرادة أوضح.

في موازاة هذا التقصير، يبرز غياب مقلق للشفافية. فالموازنات السنوية وأوجه الإنفاق لا تُنشر، ولا تُتاح للمواطنين أو الفاعلين البلديين، ما يفتح المجال أمام شبهات مشروعة تتعلّق بكيفية إدارة المال العام. ومن المثير للقلق أيضًا غياب الآليات المؤسسية للمحاسبة الداخلية، في ظل غلبة الطابع الشخصي على العمل الاتحادي، واستمرار التركيبة الحالية في إدارة الاتحاد بذهنية فوقية لا تعترف بالتغيير أو النقد. فالمواقع محفوظة، والمنافسة مغيّبة، والتزكية كانت ولا تزال القاعدة في اختيار الرئاسة.

غير أن  التحديات الإنمائية في المتن الشمالي تتجاوز الحسابات الانتخابية. فالأزمات المزمنة التي تعصف بالمنطقة تؤكد أن الخلل أعمق من مجرّد أسماء. في ملف محطات تكرير الصرف الصحي، تم إنفاق ما يزيد عن 1.4 مليار دولار على إنشاء منشآت لا تعمل أو تعمل بجزء ضئيل من طاقتها، بينما تستمر مياه الصرف في التدفّق إلى الأنهر والبحر، في مشهد يُلخّص غياب التخطيط والإدارة والمحاسبة. أما ملف النفايات، فقد تحوّل إلى مأساة بحدّ ذاته، إذ أدى غياب التنسيق بين الاتحاد والبلديات إلى ارتباك إداري وبيئي واسع، وعجز تام عن تقديم حل شامل ومستدام، ما أبقى المنطقة غارقة في أزمتها.

فبدل أن يكون اتحاد بلديات المتن الشمالي، أداة لتكريس التنمية وتحقيق الشفافية والإنجاز، تحوّل إلى نموذج مُصغّر عن مأزق الإدارة المحليّة في لبنان. حيث تُدار الموارد من دون رؤية، وتُنفَق الأموال من دون نتائج، وتُقفل الأبواب أمام أي رقابة أو مشاركة فاعلة، فيما المواطن يدفع الثمن من نوعيّة حياته وبيئته ومستقبل مناطقه. في ظل هذا الواقع، يصبح التغيير أكثر من ضرورة؛ إنه شرط لبقاء العمل البلدي ذاته في إطار الصالح العام، لا في خدمة المصالح المحصورة.

لكن هذا الواقع واجه هزّة أولى مع إعلان رئيسة بلدية بكفيا المحيدثة، نيكول الجميّل، خوضها معركة رئاسة الاتحاد بدعم من حزب الكتائب. هذه الخطوة لم تكن مجرّد منافسة انتخابية بل تحدٍّ سياسي لنمط الإدارة السائد، ومحاولة لإعادة الاعتبار للمعايير المؤسساتية في العمل البلدي، بعيدًا عن التبعية والمحسوبيات. حزب الكتائب، الذي ينتمي إلى مدرسة واضحة في النضال والموقف، أصرّ على كسر قاعدة التزكية التي طبعت دورات سابقة، واضعًا المعركة في سياق أشمل من مجرد التمثيل البلدي، إلى سياق يطال معنى الحكم المحلي وأدواته.