احتياطات مصرف لبنان تتراجع: تحت 10 مليار دولار مجددًا

خلال النصف الثاني من الشهر الماضي، اشترى مصرف لبنان من السوق الموازية ما تقارب قيمته 262.3 مليون دولار، فيما ضخّ من احتياطاته نحو 294.69 مليون دولار من خلال منصّة صيرفة. وفي حصيلة هذه العمليّات، تراجعت قيمة الاحتياطات المتبقية لدى المصرف بنحو 32.38 مليون الدولار.

ورغم محدوديّة هذا التراجع، مقارنة بفترات سابقة خسر فيها المصرف المركزيّة كميّات أكبر من السيولة، إلا أنّه كان كافيًا لدفع احتياطات المركزي إلى ما دون حدود 10 مليار دولار، تمامًا كما كان الحال في منتصف شهر أيلول الماضي، أي في الفترة التي سبقت تعويم الاحتياطات عبر شراء كميّات كبيرة من العملة الصعبة من السوق الموازية.

استمرار التضخّم في حجم السيولة المتداولة بالليرة
من المعلوم أن ثمّة فارقاً كبيراً بين سعر المنصّة، التي يعتمده المصرف المركزي لبيع الدولارات، وسعر السوق الموازية، الذي يشتري من خلاله المصرف الدولارات من السوق. وهذا الفارق، أو الخسارة، يتم تغطيته في الوقت الراهن عبر خلق النقود لشراء الدولارات بالسعر المرتفع.

وهذا ما انعكس بوضوح في حجم الكتلة النقديّة المتداولة خارج مصرف لبنان بالليرة، والتي ارتفعت قيمتها من 67.16 ألف مليار ليرة في منتصف الشهر الماضي، إلى ما يزيد عن 75.05 ألف مليار ليرة في نهاية الشهر. وبذلك تكون الكتلة النقديّة قد سجّلت ارتفاعًا كبيرًا بنسبة 12% بين الفترتين، وخلال فترة محدودة لم تتجاوز الخمسة عشر يومًا.

في جميع الحالات، من الواضح أن القفزة السريعة في حجم الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة عكست مسألتين متزامنتين في الوقت نفسه: أولًا، اتساع الفارق بين سعر المنصّة وسعر السوق الموازية، ما زاد الفارق –أي الخسارة- بين حجم الليرات التي يتم ضخها لشراء الدولار من السوق، وحجم الليرات التي يتم جمعها من بيع الدولارات عبر المنصّة. وثانيًا، استمرار مصرف لبنان بتمويل عجوزات الميزانيّة العامّة بالليرة، وخصوصًا بعد اعتماد سقوف الإنفاق الجديدة التي نصّت عليها موازنة العام الماضي، من دون أن يتوازى ذلك حتّى اللحظة مع تأمين الإيرادات الضريبيّة الموعودة في تلك الميزانيّة. وهذه المسألة بالتحديد، تؤكّد كل ما قيل في ذلك الوقت عن العبثيّة التي حكمت إعداد أرقام هذه الموازنة، قبل إعداد أي تصحيح ضريبي شامل ومدروس.

زيادة الخسائر الغامضة في الميزانيّة
في المقابل، ظلّ بند الموجودات الأخرى يسجّل زيادات غامضة وغير مفهومة، إذ ارتفع من نحو 136.65 ألف مليار ليرة في منتصف الشهر الماضي، إلى ما يقارب 142.4 ألف مليار ليرة في نهاية الشهر، أي بزيادة قدرها 5.76 ألف مليار ليرة بين الفترتين. وذلك، تكون قيمة هذا البند قد ارتفعت لتوازي نحو نصف قيمة موجودات مصرف لبنان. مع إعادة التذكير بأن بند الموجودات الأخرى يمثّل كتلة من الخسائر المحققة، والتي قرّر المصرف المركزي عدم الاعتراف بها، عبر إخفائها، والإبقاء على تسجيلها كموجودات تحت هذا البند الغريب.

وتجدر الإشارة إلى أنّ قيمة احتياطات الذهب الموجودة في ميزانيّة المصرف المركزي ظلّت شبه ثابتة، عند مستوى يقارب 17.57 مليار دولار أميركي، وهو ما عكس استقرار نسبي في أسعار الذهب العالميّة خلال النصف الثاني من شهر كانون الثاني. مع الإشارة إلى أنّ المصرف المركزي يعمد في ميزانيّته النصف الشهريّة إلى مواءمة قيمة بند احتياطات الذهب مع تغيّرات أسعار الذهب في الأسواق العالميّة.

وبعد كل هذه التغييرات، يصبح مجموعة قيمة احتياطات الذهب، مع احتياطات العملات الأجنبيّة، أي الأصول السائلة والقابلة للتسييل، نحو 27.55 مليار دولار، ما يمثّل نحو 14% من إجمالي أصول المصرف المركزي. وهذا ما يعكس تدنّياً شديداً في مستوى سيولة المصرف، وخصوصًا إذا ما أخذنا بالاعتبار الحجم الضخم لبند "الموجودات الأخرى" في الميزانيّة. وعلى أي حال، من المعلوم أن جميع هذه التغيّرات يفترض أن تدفع باتجاه تعديل خطّة التعافي المالي، لتتلاءم معطياتها الجديدة مع حجم الاستنزاف الحاصل اليوم في ميزانيّة مصرف لبنان.

ضمور في عمليّات المنصّة
على صعيد حركة منصّة صيرفة، تشير أرقام المركزي إلى أنّ حجم التداول على المنصّة تراجع إلى نحو 557 مليون دولار خلال النصف الثاني من شهر كانون الثاني، بعدما سجّلت المنصّة تداولات بقيمة 1.227 مليار دولار خلال النصف الأوّل من الشهر. وهذا التطوّر جاء نتيجة لجم المصرف المركزي لحجم الأموال التي ضخّها عبر المنصّة، ما أدى إلى تقليص سقوف عمليّات المنصّة الممنوحة للعملاء في الفروع المصرفيّة. وقد يتصل هذا الواقع تحديدًا باتساع الفارق بين سعر المنصّة وسعر السوق الموازية، ما رفع كلفة عمليّات المنصّة على مصرف لبنان.

هكذا، تستمر جميع عوارض التشوّه والتأزّم بالظهور في أرقام المصرف المركزي، فيما يغيب حتّى اللحظة أي اتجاه للقيام بمعالجات فعليّة على هذا المستوى، وخصوصًا لجهة التعامل مع فجوة الخسائر الموجودة في ميزانيّة المصرف. وبينما تظهر تداعيات هذا الواقع بوضوح على مستوى الأزمة النقديّة، والتذبذب السريع في قيمة الليرة اللبنانيّة، مازالت جميع المعالجات المعتمدة حاليًّا محصورة بالتعامل مع التداعيات، عبر ملاحقة الصيارفة غير الشرعيين في السوق السوداء، بدل الاتجاه للتعامل مع أصل المشكلة وجوهرها.