المصدر: النهار
الكاتب: ليلي جرجس
الأربعاء 28 أيلول 2022 15:25:44
يحتلّ لبنان المرتبة الرابعة بمؤشر التلوّث فيه ضمن 116 دولة، ويتجلّى ذلك في تزايد حالات السرطان والأمراض التنفسيّة، التي تُبرز خطرها وانتشارها المقاربة التي حصلت في العامين 2021-2022، وقبل ذلك في ما بين العامين 2018-2020، فتتكوّن لدينا صورة متكاملة لهذا التلوّث الذي ينخر لبنان بصمت.
صحيح أن التلوّث ليس محصوراً بلبنان فقط، وأن دولاً عديدة تشهد ارتفاعاً في مستويات التلوّث، لكن المفارقة أنّنا لسنا بلداً صناعيّاً كما أنّنا لسنا دولة تطبّق القوانين وتبحث عن بدائل بيئيّة وصحيّة، ممّا يعني أن الشعب يتنشّق سموماً، ومحكوم عليه بالأمراض السرطانية والمزمنة على المدى البعيد.
في الإطار، غرّد الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور هادي جعفر، حول تلوّث الهواء في مقارنة بين هذه السنة والسنتين الماضيتين، وحول ازدياد سموم أوكسيدات الآزوت فوق بيروت و الضواحي؛ خاتماً تغريدته بهاشتاغ وعبارة: "لبنان: حكم الموت".
يعتقد البعض أن الكحول والسجائر أخطر ما يُمكن أن يُسبّب الأمراض للإنسان نظراً لانعكاساتها الخطيرة على الصحّة، إلاّ أنّ تقرير صحيفة "واشنطن بوست" في شهر حزيران، الذي صدر عن معهد سياسة الطاقة بجامعة شيكاغو، قال إن "التلوث يقلّل متوسط العمر المتوقع العالمي بأكثر من عامين، ممّا يزيد الخطورة على الحياة مقارنة بتدخين السجائر أو شرب الكحول أو الصراع والإرهاب".
هذا، ويمكن أن يؤدّي تلوث الهواء إلى الإصابة بالسكتات الدماغية وأمراض القلب والشرايين وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. ويقول التقرير إن تلوث الهواء يخفّض متوسط العمر المتوقّع العالميّ بمقدار 2.2 سنة.
ويوضح جعفر في حديث لـ"النهار" أنه "بالاستناد إلى تحليل لبيانات القمر الاصطناعي Sentinel-5P التابع للوكالة الفضائية الأوروبية تبيّن زيادة مضاعفة في مستويات التلوث" تمثّلت بـ"مستويات عالية جداً، أكثر من 300umol/m2، في حين أن المستوى الأقصى يجب أن يكون 150؛ وهذا يعني أضعاف ما يجب أن يكون عليه. والتعرّض لهذا التلوّث لفترة طويلة سيؤدي حتماً إلى زيادة الأمراض التنفسيّة والسرطانيّة".
وفي التفاصيل، يقيس هذا القمر الاصطناعي مستويات التلوّث في طبقات الجوّ بمختلف العناصر، ومن بينها عنصر NO2، أو ما يُعرف بثاني أوكسيد الآزوت. وعادة، يكون مصدر ثاني أوكسيد الآزوت من انبعاثات احتراق وقود السيّارات وانبعاثات المعامل الحراريّة ومولّدات الكهرباء.
وقد شهد العام 2019/2020 وفق جعفر "انقطاعاً وشحّاً في المحروقات، بالإضافة إلى الإغلاق العام نتيجة فيروس كورونا ممّا ساعد على التقليل من هذه الانبعاثات، وعلى انخفاض التلوّث تالياً، مقارنة بالعام 2021/2022".
هذه الزيادة في مستويات التلوث مرتبطة بعوامل عدّة، منها توافر المحروقات وزيادة حركة السير مقارنة بالسنتين الماضيتين. وهذا ما يؤكد ضرورة ضبط الأمور أكثر من خلال مراقبة ومعاينة السيارات، كما أن الأزمة الاقتصادية والأوضاع غير المستقرّة تحول دون قدرة كثيرين على تغيير سيّاراتهم وشراء سيّارات تُصدر انبعاثات أقلّ.
أضف إلى ذلك أن أزمة الكهرباء التي فرضت الحاجة إلى استخدام واللجوء إلى المولّدات الخاصّة.
وعليه، يرى جعفر أن عوامل عديدة ساهمت في زيادة التلوّث في الآونة الأخيرة، وكان جليّاً وواضحاً هذا التلوّث في منطقة الزوق مثلاً التي تعتبر عالية التلوث بسبب معمل الزوق الحراري. ويبقى السؤال هل يمكن التخفيف من هذه الانبعاثات؟
يؤكد جعفر أن المراقبة والمتابعة الدائمة من شأنها أن تقلّل من مستويات التلوث عبر إجراء فحوص دوريّة لانبعاثات المعامل، وتغيير الفلاتر بشكل مستمرّ، واستخدام أدوات وفلاتر وفق مواصفات عالية.
لماذا يكون التلوّث عالياً في منطقة بيروت؟
أسباب كثيرة مسؤولة عن وجود التلوّث بمستويات عالية في منطقة بيروت وضواحيها، يُلخّصها جعفر بالنقاط الآتية:
* الكثافة السكانيّة في هذه المنطقة
* حركة سير كثيفة من وإلى بيروت بشكل يوميّ.
* تشغيل المولّدات أكثر
* ديموغرافية المنطقة التي تحيطها الجبال، حيث يبقى التلوّث محصوراً في هذه البيئة ولا ينتشر.
وأمام هذه الصورة، يبدو واضحاً أننا نعاني من تقصير في الرقابة، وفي تطبيق القوانين وتنفيذها. نعرف تماماً أن ثاني أوكسيد الآزوت موجود في دول عدة، خصوصاً في الدول الصناعية (الصين - الدول الأوروبية وغيرها) التي تشهد ارتفاعاً في مستويات التلوّث إلا أنها في المقابل تستفيد من الحركة الاقتصادية. لكننا في لبنان نشهد زيادة في هذه الملوّثات من دون مبرّر أو حتى استفادة اقتصادية تبرّر أقلّه هذا التلوث.