استحقاقات وزير التربية: جهاز "هيلدا" والجامعات الرديئة

كتب وليد حسين في المدن:

يبدأ وزير التربية الجديد عباس الحلبي باستقبال روابط المعلمين، ولجان الأهل، واتحادات المدارس الخاصة، والناشرين، مطلع الأسبوع المقبل. وحدد موعداً يوم الإثنين للقاء هيئة التنسيق النقابية، التي ما زالت مستمرة في قرار مقاطعة كل الأعمال المتعلقة بالعام الدراسي الجديد في التعليم الرسمي.

الأموال والتسوية

وفي دردشة امتدت لنحو ساعة يوم أمس الخميس 16 أيلول الجاري (قبل إطلالته التلفزيونية على محطة أم. تي. في)، مع المكونات التربوية التي ضمت ممثلي روابط المعلمين والمتعاقدين ولجان الأهل واتحاد المؤسسات التربوية والناشرين، سمع الحلبي الكثير من الانتقادات حول أداء الوزير طارق المجذوب. فلم يتدخل ولم يعلق، بل راح يهز برأسه ويكتفي بابتسامة، تنمّ عن علمه بما حصل وبما عليه تجنبه. وخرج البعض بانطباع عام عن الوزير: يعرف ماذا ينتظره من ملفات.

لكن الوزير في إطلالته الأولى تطرق إلى مسألتين أساسيتين: نجاح العام الدراسي بحاجة لتأمين الأموال اللازمة، ولبنان بلد التسويات وعلى الجميع القبول بتسوية لتمرير العام الدراسي. وبمعزل عن أن فكرة التسوية مخالفة للقانون الذي يجب أن يحتكم إليه الجميع، فتأمين الأموال وحدها لا تكفي تربوياً. وروابط التعليم الرسمي خرجت بانطباع بأن الوزير لم يهتم كما يجب بالتعليم الرسمي، بل انحصر تركيزه على التعليم الخاص. بالتالي، تنتظر الروابط يوم الإثنين لتحديد موقفها. ولن تساوم على مسألة رفع الرواتب وبدل النقل والاستشفاء. 

ملفات كثيرة كبيرة تنتظر الوزير الجديد وكيف يتعامل معها. وعلى حد قول أحد الموظفين، الذي يحتل منصباً مهماً في الوزارة: كل طابق من طوابق الوزارة الـ15 بحاجة إلى دراسة مفصلة كي ينتظم العمل في هذه الوزارة.

التضحية والجهل

وفي انتظار تشكيل الوزير فريق عمله، وبدء مفاوضاته الأسبوع المقبل، أكد أنه على الجميع التضحية لإنجاح العام الدراسي. لكن هذه الفكرة تبقى ضبابية طالما لم يحدد نوع وطبيعة التضحية التي على كل طرف تحملها. فالمدارس الخاصة سارعت إلى رفع الأقساط وبعضها طلبت مساهمات (يعتبرها الأهالي خوّة) بالدولار النقدي، وقبل إقرار الموازنات.

وإذا كانت بعض المدارس قد رفعت رواتب أساتذتها ودفعت مستحقات الدرجات، فالغالبية العظمى من المدارس لم تفعل. أما التعليم الرسمي فحدث بلا حرج: أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ودولة مفلسة، وأساتذة باتوا على حافة الجوع، ويطالبون برفع رواتبهم للتصدي لغلاء المعيشة. أضف إلى ذلك أن طلاب لبنان بمعظمهم لم يتعلموا إلا ما ندر طوال العامين المنصرمين، وارتفعت صرخة الأهالي لإنقاذ أولادهم من الجهل المحتم، في حال فشل العام الدراسي الحالي.

موازنات المدارس الخاصة

وحيال الانهيار المالي والاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية لكل اللبنانيين، وعدم لجوء مؤسسات القطاع الخاص إلى رفع رواتب الموظفين، ينتظر أهالي الطلاب في المدارس الخاصة قراراً سريعاً من الوزير بمنع الزيادة على الأقساط قبل إقرار الموازنات، وفق ما ينص عليه القانون. وإلزام المدارس بعدم تقاضي الدولار النقدي، ومحاسبة المدارس التي راسلت الأهل بهذا الشأن. ولحفظ حقوق الأهل يجب تسريع تشكيل المجالس التحكيمية التربوية، والوقوف ضد تعسف إدارات المدارس، خصوصاً أن هناك أكثر من مئة موازنة لمدارس ما زالت عالقة في المجالس. وبما أن على الجميع التضحية يجب أن يصار إلى التدقيق بموازنات المدارس قبل اللجوء إلى جيوب أهالي الطلاب. وتسوية في هذا المجال ستكون على حساب الأهل.

الكتاب الوطني

وينتظر أهالي الطلاب في التعليم الرسمي الكتاب الوطني في ظل ارتفاع أسعار الكتب. لكن وفق ما تؤكد مصادر مطلعة، ثمة أزمة كبيرة تتمثل بعدم إمكانية حصول الطلاب عليه. فحتى الساعة لم تلتزم أي شركة بهذا الملف. وتعهدت منظمة اليونيسف بتأمين الأموال. وأجرت الوزارة مناقصتين ولم تؤد إلى نتيجة لأسباب تتعلق بسعر صرف الدولار.

وحتى لو تمكنت الوزارة من تأمين شركة، اليوم قبل الغد، وهو أمر صعب، لن ينجز الكتاب قبل شهرين إلى ثلاثة أشهر.

المناهج

وكان طلاب لبنان أمام عامين دراسيين كارثيين، ولم يتعلموا إلا القليل، خصوصاً بعد فشل التعليم من بعد في القطاع العام وفي معظم القطاع الخاص. وكان لبنان أمام جائحة كورونا التي أقعدت الطلاب في النصف الثاني من العام 2020 في بيوتهم، ما يستدعي من المركز التربوي إعداد خطة تربوية لمواجهة الكارثة المنتظرة.

لكن المجذوب فتح صراعاً مع رئيس المركز السابقة ندى عويجان، وأدار أذنه لهيلدا خوري وعين مكانها جورج نهرا كي يكون طيعاً لها، رغم أنه أستاذ تعليم مهني لمادة الميكانيك، فيما كان المركز بحاجة ماسة لمتخصص بالتربية أسوة بمنير أبو عسلي أو ليلى فياض، كما يقول مطلعون في الوزارة. وقد أهمل الوزير مشروع "أس تو أر تو" الممول من البنك الدولي الذي كان أرسله المركز التربوي وخسرت الوزارة والمركز ثلاثة ملايين دولار، ورفض مناقشة الخطة التي أعدها المركز لتعديل المناهج والخطة التربوية التي أعدت لمواجهة كورونا.

لذا فأن تأمين الأموال لا يكفي تربوياً. فهي متوفرة. لذا، فإن هذا الحل قد يرضي الأساتذة ويؤمن المحروقات للمدارس، لكن الوزارة بحاجة لنفضة تربوية، تبدأ بتعديل المناهج التربوية (وضعت في منتصف التسعينات) ولا تنتهي بملف التعليم العالي.

التعليم العالي

وينتظر الوزير أكبر ملف في القطاع، المتمثل بالتعليم العالي بعدما انتشرت الدكاكين الجامعية طوال السنوات الثلاثين الفائتة، وافتتحت كليات هندسة وغيرها بموافقات وتسويات طائفية وسياسية. وفيما كان مجلس التعليم العالي الذي أعاد هيكلته الوزير أكرم شهيب يسير بخطة إصلاحية لتنظيم هذا القطاع وإقفال كليات وجامعات لا تسوفي الشروط العلمية، أتى المجذوب وشلّ عمل المجلس نهائياً.

ومرّر المجذوب ملفات لجامعات، وأعطى إذناً مباشرة لجامعات من دون حتى المرور على مجلس التعليم العالي. وأبسط مثال أن مجلس التعليم العالي قرر عدم الموافقة على كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية الكندية، لكن المجذوب أعطاها إذن تدريس الهندسة من دون موافقة مجلس التعليم العالي، ومن دون موافقة وحضور نقيب المهندسين، وخلافاً للتقارير المعارضة لمنح الإذن لعدم استيفاء الشروط.

هيلدا خوري

وغداة تسلم الوزير الحلبي الوزارة، أقدم موظفون كبار على توزيع الحلوى مستبشرين خيراً بأنه سيكف يد رئيسة جهاز الإرشاد والتوجيه هيلدا خوري. والهدف الأساسي للموظفين في الطوابق الـ15 للوزارة يتمحور حول هيلدا. وصحيح أن الوزير قال إن الوزارة في عهده سيكون فيها الوزير والمدير العام، بعدما تحولت خوري إلى وزيرة رديفة، لا بل أساسية، في المرحلة السابقة. إلا أنه وقبل الاستحقاقات الضرورية كي ينتظم عمل الوزارة بشكل مقبول، أمام الوزير الجديد مهمة كف يد خوري وجهازها، بعدما بات المطلب الأول من كل موظفي الوزارة والأساتذة وحتى أهالي الطلاب.