المصدر: إرم نيوز
الأربعاء 10 كانون الاول 2025 12:47:22
تسود أجواء ترقّب ثقيلة في مكاتب المنظمات الدولية بالعاصمة اللبنانية، كما في شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت وقرى الجنوب، تبدو البلاد وكأنها تعيش "هدنة بين حربين". فالاستعدادات الإنسانية تتسارع بهدوء، وحركة الناس على الأرض تعكس خوفا متزايدا من أن تتحول التهديدات الإسرائيلية إلى حرب شاملة جديدة مع حزب الله، بعدما عرفت الجبهة الجنوبية حربا قاسية وتصعيدا مستمرا منذ خريف 2024.
تحضيرات مبكرة
مصادر لبنانية أكدت لـ"إرم نيوز" أن عددا من المنظمات الدولية العاملة في لبنان تعدّل حاليا خطط الطوارئ على أساس سيناريو "حرب أوسع من الجولة السابقة"، تشمل ضربات أعمق في الضاحية والجنوب وربما البقاع. وتشير المصادر إلى اجتماعات شبه أسبوعية بين فرق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الكبرى لمراجعة خطط الإجلاء للموظفين من مناطق الخطر، وتحديث خرائط الملاجئ والمستشفيات القادرة على العمل تحت القصف، والتنسيق مع البلديات والهلال الأحمر والصليب الأحمر اللبناني.
منظمات مثل "هيومانتي آند إنكلوجن" لم تكتفِ بالتعامل مع موجات النزوح السابقة، بل بدأت منذ أشهر بتعزيز "مخزون الطوارئ" من المستلزمات الطبية واللوجستية، وتدريب فرق محلية على الاستجابة السريعة، تحسبا لأي تصعيد جديد على الحدود الجنوبية. كما حدّث برنامج الأغذية العالمي (WFP) استراتيجيته للتأهب والاستجابة في لبنان طوال عام 2024، بما في ذلك سيناريو توسع النزاع مع إسرائيل.
مخازن طوارئ وخطط إجلاء جديدة
بحسب مصادر إعلامية لبنانية تحدثت لـ "إرم نيوز"، تعمل وكالات أممية ومنظمات دولية أخرى على إعادة توزيع مخزون المساعدات داخل لبنان، بحيث لا يبقى متركزا في بيروت فقط، بل يُخزّن جزئيا في البقاع والشمال ومناطق جبلية تُعتبر أقل عرضة للاستهداف المباشر، لتسهيل الوصول إلى المتضررين في حال تقطعت أوصال الطرق الرئيسة تحت القصف.
هذا التوجه يتقاطع مع "خطط طوارئ" أوسع وضعها المجتمع الدولي ضمن إطار خطة الاستجابة للأزمة اللبنانية، وجرى تحديثها بناء على سيناريوهات تصعيد عسكري جديد على الجبهة مع إسرائيل.
المصادر الإعلامية تنقل عن وكالات الأمم المتحدة أن "النقاش لا يقتصر على الغذاء والدواء، بل يشمل أيضا تأمين الوقود للمولدات والمستشفيات، وتحصين سلاسل التوريد في حال أُغلقت المرافئ أو تعطلت الحدود". وتضيف: "الدرس الأساسي من حرب 2024 أن أي توقف قصير في سلسلة الإمداد يترك آلاف العائلات بلا دواء أو طعام خلال أيام قليلة، لذلك يجري الآن بناء شبكة مخازن موزّعة، وتدريب فرق محلية على إدارتها في حال تعطل مركز القرار في بيروت".
نزوح هادئ من الجنوب والضاحية
على الأرض، المشهد لا يقل دلالة. فبحسب تقصي "إرم نيوز" مع ناشطين محليين في الجنوب، تتسع دائرة العائلات التي تغادر القرى الحدودية نحو صور وصيدا والنبطية، أو تتجه مباشرة إلى بيروت والمناطق الجبلية المحيطة، في حركة نزوح "هادئة" لا تُعلن رسميا، لكنها تتكرر كلما ارتفع منسوب التهديد الإسرائيلي أو تسربت معلومات عن خطط لعملية برية أوسع.
تقارير أممية أظهرت أن أكثر من 1.3 مليون شخص نزحوا داخل لبنان بحلول تشرين الأول/أكتوبر 2024 بسبب الحرب، وأن عشرات الآلاف منهم ما زالوا غير قادرين على العودة إلى قراهم رغم وقف إطلاق النار الهش، خوفا من تجدد المواجهة. اليوم، تقول مصادر محلية إن بعض من عادوا خلال الشهور الماضية بدأوا مجددا البحث عن مساكن بديلة، سواء في مناطق الساحل أو الجبل، مع كل جولة تهديد إسرائيلية جديدة.
في الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الأبرز لحزب الله، تبدو حركة البيع والانتقال أكثر وضوحا. تقارير إعلامية لبنانية تحدثت عن موجة غير مسبوقة من عروض بيع الشقق بأسعار تقل عن السوق، مدفوعة بخوف أصحابها من تحول المنطقة مجددا إلى هدف مركزي لأي حرب مقبلة.
انفجار في أسعار الإيجارات
خروج السكان من مناطق التماس لا يمرّ بلا كلفة. تقارير صحفية محلية ودولية وثّقت منذ 2023 ارتفاعا كبيرا في الإيجارات في ضواحي بيروت الجبلية والمناطق التي تُعتبر "أكثر أمانا"، حيث وجد كثير من النازحين من الجنوب أنفسهم أمام شروط قاسية؛ بدلات مرتفعة، وطلبات دفع مسبق لعدة أشهر، أو قبول السكن في شقق مكتظة وبنية تحتية متداعية.
مصادر لبنانية تؤكد لـ"إرم نيوز" أن الطلب على الإيجار في بعض بلدات جبل لبنان والساحل القريب ارتفع بشكل متجدد في الأسابيع الأخيرة، مع تزايد الحديث عن "حرب كبيرة" واحتمال استهداف منشآت أساسية في الضاحية والجنوب. وتضيف أن بعض المالكين يحاولون الاستفادة من هذا الخوف عبر رفع الأسعار وفرض شروط تعجيزية، بينما تضطر عائلات كثيرة إلى تقاسم الشقق أو العودة إلى بيوت غير مكتملة البناء.
في المقابل، تشتكي منظمات حقوقية من غياب أي إطار رسمي يضبط سوق الإيجارات في حالات الطوارئ؛ ما يفتح الباب أمام ما تصفه بـ"استغلال المضطرين"، في بلد يعيش أصلا واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه.
مؤشرات حرب أم ضغط تفاوضي؟
كل هذه المؤشرات - من استنفار المنظمات الدولية وتوسيع مخازن الطوارئ، إلى حركة النزوح الصامتة وارتفاع الإيجارات وموجة بيع العقارات في مناطق يُتوقع أن تكون على خط النار - تعزز الانطباع بأن لبنان يعيش ما يشبه "مرحلة ما قبل الحرب".
مع ذلك، ترى مصادر سياسية لبنانية تحدثت لـ"إرم نيوز" أن جزءا من هذا المشهد يدخل أيضا في إطار "الحرب النفسية" المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله، وأن التهديد المستمر بالحرب يُستخدم للضغط في ملفات التفاوض الأوسع، من ترسيم الحدود إلى مستقبل الجبهة الشمالية لإسرائيل. لكنها تحذر في الوقت ذاته من أن تراكم هذه الاستعدادات الإنسانية وحركة الناس على الأرض يعني أن أي خطأ في الحسابات قد يحول هذا الضغط إلى مواجهة مفتوحة فعلا، في بلد لم يلتقط أنفاسه بعد من الحرب السابقة والأزمة الاقتصادية الممتدة.
وبين استنفار المنظمات الدولية، وقلق السكان الذين يحملون أمتعتهم على عجل باتجاه "مناطق أكثر أمانا"، يبدو لبنان اليوم كأنه يتهيأ للأسوأ، بينما تصر القوى السياسية على القول إن "لا أحد يريد الحرب". لكن لا أحد أيضا يستطيع أن يجزم بأنها لن تقع.