استهداف كوادر الحزب: نقطة الضعف الأكبر

سلط استهداف إسرائيل قبل أيام قليلة سيارة على الحدود اللبنانية - السورية ومقتل أربعة نعى "حزب الله" واحدا منهم فيما الثلاثة الباقون عناصر من "الجهاد الإسلامي"، الضوء على أن الهجوم الذي قام به الحزب في 25 من الجاري ردا على اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر قد يكون فشل في ردع إسرائيل عن عمليات الاغتيال التي استهدفت كوادر وقادة لدى الحزب في الأشهر العشرة الأخيرة. فبدلا من التراجع ولو مرحليا، وسعت إسرائيل نطاق أهدافها، علما أن الرد الاستباقي الذي قالت إنها شنته قبل نصف ساعة من بدء الحزب هجومه فجر الأحد الماضي، وفق سردية الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، أفقد السيناريو عامل المفاجأة كما عطل رسالة الردع من جانب الحزب. والحال أن لبنان والمنطقة على الأرجح تجاوزا قطوعا كان يخشى أن يؤدي إلى اشتعال حرب واسعة مدمرة.

الاستهداف الجديد من إسرائيل قد يعتبر من ضمن العودة إلى قواعد الاشتباك، خصوصا أن اغتيال شكر في الضاحية الجنوبية أدرج من ضمن الرد على قصف بلدة مجدل شمس، وهذا ليس مرجحا حصوله كل يوم ما لم يحصل خطأ يعيد تكرار ذلك.

ثمة نقاط يسلط مسؤولون أمنيون وديبلوماسيون الضوء عليها، في معرض الحض على التفكير وليس الحصول على أجوبة معينة. فمن جهة تركز الاهتمام على محاولة معرفة كيفية كشف خطة هجوم الحزب من ضمن مهلة زمنية كافية أتاحت لإسرائيل التحضير لعملية استباقية. وتركز الاهتمام من جهة أخرى على هوية القناة أو قنوات التواصل التي تتيح تأمين ضبط الرد والرد على الرد من ضمن قواعد محددة.

والواقع أن كلا من إسرائيل والحزب باتا يعرفان بعضهما جيدا إلى حد كبير، ويتوقع كل منهما رد فعل عدوه، ولكن يعتقد أن الأمر يتصل أيضا بوجود قنوات تنقل الرسائل، غير تبادل التهديدات والمواقف عبر الإعلام، وهي إحدى الوسائل المعتمدة، وقد تكون القوة الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) التي تؤدي دورا في هذا الإطار، أو الولايات المتحدة عبر أطراف ثالثين، أقله بالنسبة إلى الحزب في لبنان، أو سواهما. وهذا يكتسب أهمية كبيرة لانعكاساته المحتملة وأبعاده السياسية البعيدة المدى وليس فقط لأبعاده العسكرية الراهنة.

ومن النقاط التي تتم متابعتها بعيدا من التداول الإعلامي، قدرات إسرائيل وتفوقها في استهداف قيادات وكوادر من الحزب وكشف أكبر نقطة ضعف لديه في حرب الاستنزاف القائمة عبر الجنوب اللبناني. ومع أن تاريخ إسرائيل في استهداف قيادات الحزب ليس جديدا ويعود إلى عقود خلت حين استهدفت قيادات له في لبنان وفي سوريا كذلك في زمن قوة النظام السوري، فإن الأمر كان في محطات مختلفة ولم يأت بالوتيرة التي شهدناها خلال الأشهر الأخيرة، بمعنى أن الأمر يتعدى مسألة انكشاف أو متابعة عرضية، ويبدو أن هناك داتا كاملة موجودة لدى إسرائيل عن قيادات الحزب وكوادره، وهي قادرة على رصد عاداتهم انطلاقا من أن الإنسان رهينة العادات ولا يمكنه التخلي عن هاتفه كل الوقت أو الابتعاد عن سكنه ومناطق تردده. وتاليا، من غير المرجح أن يكون هناك عملاء يخدمون إسرائيل على الأرض، وفق ما سرى لأيام بعد اغتيال شكر. ولكن هذا يوفر ذريعة إضافية تثبت مدى اختراق إسرائيل تكنولوجيا في الدرجة الاولى وعسكريا في الدرجة الثانية أجهزة الحزب.

وكان اغتيال المسؤول في "حماس" صالح العاروري في الضاحية الجنوبية قبل أشهر نموذجا أعاد إلى ذاكرة بعض الديبلوماسيين القدرة الإسرائيلية الكبيرة على استهداف دقيق لهدف في غرفة أو شقة، من دون أضرار كبيرة على الجوار.

وفيما قلة نادرة جدا كانت سمعت بفؤاد شكر على سبيل المثال، فإن تسريب الصحافة الإسرائيلية أسماء من يمكن أن يخلفه كان بمثابة كشف إضافي لحزب أبقى أوراقه العسكرية مخفية وبعيدة من الإعلام طويلا، ولا يزال، على قاعدة أنها جزء من قوته وهيبته. وهذان ما تستهدفهما إسرائيل أيضا، عدا عن تصميمها على إبعاد الحزب عن الحدود ربطا بما باتت هي مقتنعة به وأقنعت به الخارج، لجهة رفضها العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول على حدودها منعا لتكرار عملية "طوفان الأقصى".

وقد لفت إعلان نصرالله في إطلالته الإعلامية الأخيرة انطلاق المسيرات في الهجوم على إسرائيل من البقاع، على نحو فهم منه عدم الحاجة مستقبلا إلى المنطقة الحدودية لانطلاق الحرب، بالتزامن مع قوله إنه أخلى المنطقة الجنوبية من الصواريخ، فأوحى بأن قدرات الحزب كاملة ومعززة من خارج المنطقة الحدودية. لكنه مهد في الوقت نفسه للاتفاق الذي توصل إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين والذي سيوضع موضع التنفيذ فور التوصل إلى وقف للنار في غزة.