اشتباك السويداء وانعكساته.. تجنّب للفتنة بتحييد لبنان

حالة من القلق سادت في لبنان بعدما احتدمت المواجهات في السويداء بين الفصائل الدرزية والقوات الحكومية ومعها العشائر، خوفاً من انعكاسات قد تكون دموية إثر حملات التحريض والتكفير التي تصاعدت على هامش الاشتباكات ومشاعر الكراهية، خصوصاً أن الصلات العائلية والمجتمعية والمذهبية موجودة بين دروز وسنّة لبنان وسوريا.

الصلات بين دروز لبنان ودروز سوريا متينة جداً، والروابط عائلية ومذهبية؛ فالدروز يعتبرون أنفسهم عشيرة واحدة، ولو تعدّدت الانتماءات السياسية. كثير من الدروز الذين قضوا هم من عائلات موجودة في لبنان وسوريا، ولديهم أقارب في البلدين، والزيارات المتبادلة دائمة. أما بالنسبة إلى السنّة، فإن الكثير من العشائر لها امتدادات في سوريا والأردن، من دون إغفال الدعم السياسي الذي يبديه السنّة للسلطات السورية السنّية في سوريا.

مع تصاعد حدّة الاشتباك، كان القلق من انتقال الشرارة إلى لبنان والوقوع في فخ الفتنة الدرزية–السنّية سائداً، لكن المساعي السياسية نجحت في تحييد هذا السيناريو رغم الاستنفار الذي حصل. درزياً، كان الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حريصاً على منع أي توتر، فاتخذ مواقف معتدلة، ودعا للحل السياسي في السويداء، وهو موقف لم يستفزّ الشريحة السنية في لبنان.

مساعي التهدئة

النائب عن الحزب التقدمي الاشتراكي هادي أبو الحسن يقول لـ"النهار" إن مساعي التهدئة وقطع الطريق على الفتنة نجحت إثر "الموقف العاقل والمسؤول" الذي اتخذه جنبلاط والحزب، وكان التركيز على "إعلاء كلمة العقل بوجه العاصفة الهوجاء"، التي ضربت السويداء. ونوّه بمواقف رئيس الحكومة نواف سلام ورؤساء الحكومات السابقين ومفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان والقوى السياسية، بالإضافة إلى العشائر التي أصدرت بيانات رافضة للفتنة.

بيانات رفض الفتنة على مستوى العشائر تمثّلت بمواقف عشائر خلدة، التي هي على تماس مع مناطق درزية في عرمون وبشامون وحتى قرى الشوف، بالإضافة إلى اتصال المفتي دريان بشيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى، بعدما استغرب الأخير في حديث لـ"النهار" تأخر تضامن القيادات السنّية مع دروز السويداء.

النائب عن الجماعة الإسلامية عماد الحوت يتحدّث لـ"النهار" عن جهود التهدئة، ويشير إلى أن التصعيد في السويداء "استدعى استنفار كل القوى السياسية، لا الدرزية والسنية فحسب". لكن -بتقديره- "الدور الأكبر" كان لجنبلاط الذي نشط على خط "السيطرة ومنع تمدّد الصراع" إلى لبنان، وقد واكب هذه الجهود المفتي دريان وتم امتصاص التصعيد.

لكن هذا الواقع اللبناني الداخلي لم يمنع من محاولات الدروز والسنّة المشاركة في القتال في السويداء. الكثير من الدروز أبدوا رغبة واستعداداً للتوجّه نحو السويداء، وتوافرت معلومات عن تجهيزات حصلت للذهاب والقتال إلى جانب الدروز، لكن المعوّق اللوجستي حال دون وصول الدروز والمشاركة في المعارك، لكون السويداء كانت محاصرة والمناطق المحيطة بها تحت سيطرة السلطات السورية.

أما من جهة العشائر، فإن التعاطف ترجم مشاركة فعلية في اشتباكات السويداء، وبعد إطلاق بعض عشائر الشمال النفير العام، أفادت معلومات عن توجّه العديد من المسلحين من عشائر وادي خالد نحو سوريا، ومن ثم إلى السويداء، وقد سقط قتيل لبناني يدعى مصطفى مليحان في الاشتباكات. وقالت العشائر في المنطقة في حديث لـ"النهار" إنها "جاهزة للدفاع عن نفسها والمشاركة في القتال في حال حصل اعتداء على أيّ عشيرة في الدول العربية".

الحوت يقول إن الدروز والسنّة استنفروا نتيجة بعض الخطابات "غير الموزونة"، التي "وتّرت الأجواء"، لكن موقفه كان رفض التدخّل في الاشتباك السوري أو نقل الصراع إلى لبنان، وشدّد على ضرورة "تحييد" لبنان عن التوترات في المنطقة، فيما عوّل أبو الحسن على "الحكمة" ودعا للتنبّه إلى الشائعات وتخفيف الاحتقان والتأسيس لمرحلة جديدة يسود فيها مبدأ المصالحة بين مكونات الشعب السوري.

رفض درزي للفتنة

الحوت يبدي قلقه من بعض التصريحات "الفتنوية" التي صدرت عن الوزير السابق وئام وهاب، ويعتبر أن هذا النوع من "الاستفزاز" قد يجرّ نحو التصعيد. وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى موقف درزي معترض على تصريحات وهاب، تُرجم بانسحاب جنبلاط ومناصريه من موقف عزاء لضحايا السويداء، بعد وصول وهاب إليه، وهو ما صوّر كرفض درزي سياسي وشعبي لمواقف التصعيد التي أدلى بها وهاب.

اشتباك درزي-سوري

وإن كانت الفتنة الدرزية-السنّية قد تم تحييدها، إلّا أن التصادم الدرزي–السوري وقع في العديد من المناطق الدرزية التي يقطنها سوريون. وقد حصلت إشكالات وهجمات من قبل دروز على سوريين، وشدّدت بعض البلديات إجراءاتها المرتبطة بالنازحين، فقيّدت مواقيت حركتهم، وطلبت مغادرة الذين حولهم علامات استفهام، فيما جرت محاولات أهلية وسياسية للتهدئة رفضاً للتعرّض للسوريين الأبرياء.

في المحصلة، فإن لبنان تمكّن من تفادي الاشتباك السنّي–الدرزي وانعكاسات السويداء الدموية، في الوقت الذي كان فيه استعداد من الطرفين للمشاركة في الحرب، وهي تجربة حصلت سابقاً مع توجّه "حزب الله" إلى سوريا وقتاله إلى جانب نظام بشّار الأسد؛ والسؤال اليوم عن مدى قدرة القيادات السياسية والروحية على تطويق الاشتباك إذا عاد وتصاعدت حدّته!