المصدر: النهار
الكاتب: سمير تويني
الخميس 20 تشرين الثاني 2025 07:22:46
أثار رئيس الجمهورية جوزف عون جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية بعدما أكد أن لبنان لم يعد لديه خيار سوى التفاوض مع إسرائيل، معتبراً أن لغة الحوار تبقى أكثر فاعلية من لغة الحرب.
فور صدور موقف عون، انقسمت الطبقة السياسية اللبنانية بين مؤيّد يرى في كلامه مقاربة واقعية، مذكّراً بأن بيروت سبق أن دخلت مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية عام ٢٠٢٢ بوساطة أميركية، ومعارض، وفي مقدّمهم "حزب الله". وعلى الرغم من أنّ الحزب لم يعرقل مفاوضات الترسيم البحري، فهو يرفض اليوم مبادرات مماثلة، خشية أن تؤدي إلى إضعاف موقعه وإضفاء الشرعية على الدعوات الدولية لنزع سلاحه.
في هذا المناخ المتوتر، تكثّف العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن، جهودها الديبلوماسية بهدف الحدّ من التصعيد والحؤول دون انزلاق الوضع نحو مواجهة إقليمية واسعة.
لم يشر الرئيس عون بوضوح إلى احتمال عقد مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل، لكن مصادر ديبلوماسية ترجّح أن تلجأ الحكومة إلى هذا الخيار بفعل الضغوط المتصاعدة على لبنان.
وتشير المصادر نفسها إلى أن "حزب الله" يتحمّل جزءاً أساسياً من المسؤولية عن هشاشة الوضع، إذ إن اتفاق وقف النار الموقّع في تشرين الثاني الماضي نصّ صراحة على نزع سلاح المجموعات غير الشرعية، وهو ما يشمل الحزب بوضوح. غير أن الأخير يرفض التخلي عن ترسانته، بل يواصل تهريب الأسلحة عبر سوريا لتعزيز قدراته.
ويصرّ الحزب على اعتبار أن الاتفاق يقتصر على منطقة جنوب نهر الليطاني، بينما يعزز مواقعه شمال الليطاني بوصفها ضمانا لاستمراره السياسي والعسكري. أما إسرائيل، فتكثّف ضرباتها منذ وقف إطلاق النار، وتتهم الحكومة اللبنانية بالتقصير في تطبيق نزع السلاح. وقد صعّدت تل أبيب لهجتها أخيراً ملوّحة بإمكان استئناف الحرب.
وفي السياق نفسه، صعّدت الولايات المتحدة موقفها بإلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل لواشنطن.
بحسب المعطيات المتوافرة، فإن المفاوضات التي أشار إليها الرئيس عون ستتركز على محورين رئيسيين:
مع تفاقم الأزمة، ارتفعت الأصوات المطالِبة بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل. فقد اعتبر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، أنّ "ما كان مستحيلاً أصبح اليوم ممكنا"، داعياً إلى اتخاذ القرار بالإجماع. وذهب نواب آخرون في الاتجاه نفسه، شرط توافر ضمانات واضحة.
يرى العديد من المراقبين أن الحزب يدخل هذه المرحلة من موقع ضعف. فالهزيمة العسكرية الأخيرة، وتراجع قدرة إيران حليفه الأساسي، وتوسع العقوبات الأميركية، إضافة إلى تضاؤل قدرته المالية وغياب المساعدات الخارجية، كلها عوامل أثرت في حضوره. حتى في بيئته الحاضنة، يسود شعور بالإحباط يتحدث عنه بعض الأنصار همساً.
وإلى جانب ذلك، تواجهه معطيات إقليمية معاكسة: فدمشق الشرع تجري مفاوضات مباشرة مع إسرائيل على أمل رفع العقوبات عنها، في خطوة يرى فيها الأميركيون مثالاً للبنان. هذا المسار السوري يزيد تضييق الخناق على الحزب.
تستعيد الأوساط الديبلوماسية ذكرى توقيع لبنان اتفاق سلام مع إسرائيل في ١٧ أيار ١٩٨٣، والذي نصّ على حصرية السلاح بيد الدولة وإقامة منطقة منزوعة السلاح في الجنوب. لكن الاتفاق أُسقط تحت ضغط الرئيس السوري حافظ الأسد، رغم أنه كان قد يمهّد لانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من لبنان.
وترى المصادر أن أي اتفاق أمني جديد قد يستعيد بعضاً من تلك البنود، رغم أن انسحاباً إسرائيلياً كاملاً يبدو غير مرجّح. ومع ذلك، فإن الضغوط الحالية تجعل الذهاب إلى طاولة المفاوضات أمراً يكاد يكون محتوماً.
في حين يسعى "حزب الله" إلى تصوير أيّ خطوة تفاوضية تنازلا، يجد لبنان نفسه أمام معادلة قاسية: إما مواجهة مخاطر متزايدة، وإما القبول بتسويات قد تفتح الباب أمام استقرار نسبي. ومع اشتداد الضغوط العسكرية والديبلوماسية، يصبح الخيار التفاوضي أقرب إلى ضرورة ملحّة أكثر منه خياراً سياسياً.