اعتداء عوكر في منطقة محصّنة... إلى هذا الحد البلد مكشوف أمنياً؟

باستثناء البيان المقتضب الصادر عن الناطق باسم السفارة الأميركية جيك نيكلسون، وضمّنه عرضًا لحادث الاعتداء الذي استهدف السفارة ليل الأربعاء الفائت، لا يزال الاعتداء يدور في فلك التساؤلات والتقييم للأسباب والحيثيات والخلفيات، والأهم للرسائل التي أراد مَن يقف وراء مطلقي النار إيصالها الى واشنطن.

لم تتسرع السفارة في التعليق على الاعتداء، حرصاً منها على استجماع كل المعلومات والمعطيات، ولا سيما منها الأمنية، لكنها حتماً تعي ان للتوقيت المرتبط بأكثر من حادث أو تطور أو إجراء أو ذكرى، ما يبرره بالنسبة الى المنفّذين، وانه سيتحتم على واشنطن تلقف الرسائل والتعامل معها ليس من منطلق الخوف، وانما من منطلق الواقعية السياسية التي ترتب على مسؤولي السفارة التعاطي مع كل أنواع التهديدات التي تتعرض لها، تمهيداً لتبيّن الأهداف الكامنة وراءها. هذا ما عبّرت عنه السفيرة دوروثي شيا بعد لقائها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، اذ قالت: "اننا في السفارة لا نشعر بالخوف إثر هذه الحادثة، فاجراءاتنا الأمنية متينة جداً وعلاقتنا صلبة ونتابع عملنا في السفارة كالمعتاد".

لم تتطرق شيا في تصريحها الى الاعتداء في ذاته، ولم تتوجه بالاتهام الى أي جهة، معربة عن ثقتها "بالشركاء الأمنيين والمسؤولين السياسيين بأنهم لن يألو جهداً لجهة التحقيق وملاحقة المرتكب ومحاسبته". وهذا يعكس تقليلاً من أهمية الحادث ودعوة غير مباشرة الى عدم تضخيمه أو إعطائه أبعاداً أو أحجاماً لا تمثل حقيقة الواقع، والتي يمكن وصفها بحسب مَن تواصلوا مع اركان السفارة بالاعمال الاستفزازية، التي تزامنت ايضاً مع حادثة مماثلة في زحلة استهدفت مركزاً لـ "القوات اللبنانية".

ليست مهمة أو دقيقة القراءات التي رافقت الحادث وربطته تارة بأحداث عين الحلوة، وطوراً باجتماع الخماسية في نيويورك، ذلك ان الحادث لا يحتمل الذهاب الى هذا الحد من التحليل، ولا يحمل رسائل بهذا الحجم في الشقّ المتعلق بما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية في لبنان لجهة انخراطها مجدداً في المشهد السياسي، أو في ما يتصل بالعلاقات مع لبنان، وهي محكومة باصطفافين واضحين، ولكن الأهم في تلك الرسالة الأمنية ما تعكسه على المشهد السياسي والأمني في البلاد والآفاق المستقبلية المرتبطة بأي توقعات حيال الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي على حد سواء.

فأياً تكن الرسالة الأمنية التي رغب احدهم في توجيهها الى اميركا عبر سفارتها في بيروت، فهي حتماً وكما وصفها مصدر سياسي، سيئة جداً وخطيرة جداً ولا يمكن في أي شكل التقليل من أهميتها ومخاطرها وانعكاساتها.

فهي، وبقطع النظر عن استهدافها سفارة غربية بما تمثله في الوزن والعلاقة والموقع، أكدت حجم الثغرات الأمنية التي كان يُفترض ألّا تحصل وألّا تكون موجودة في منطقة امنية بامتياز، حيث تتواجد حواجز وثكنة للجيش، فضلاً عن كاميرات مراقبة تغطي كل المساحة المستهدفة. وهذا يدلل على ان البلاد مكشوفة امنياً رغم كل التطمينات والتأكيدات التي تصدر عن قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، كما يدلل على رغبة المتضررين بالعودة الى أسلوب الترهيب لتوجيه الرسائل، بعدما كان هذا الأسلوب قد تراجع الى حد ما وبات مسقوفاً بخطوط حمر، يبدو انها سقطت اليوم.

كما ان ما تكشّف من معلومات عن ان الاستهداف لم يحصل عبر سيارة وانما من موقع مواجه للسفارة، يؤكد ان الجهة الفاعلة خططت ونفّذت ولم يكن الحادث عملاً متسرعاً أو عفوياً أو انفعالياً، خصوصاً انه تزامن مع ذكرى تفجير السفارة قبل نحو أربعة عقود.

وبقطع النظر عن تلك الرسالة الأمنية الخطيرة في مغزاها المشار اليه، يتكشّف بُعد آخر لهكذا رسالة ليس في الداخل اللبناني وانما أيضاً في دوائر القرار الأميركي، اذ لا يخفي المصدر قلقه مما سترتبه هكذا رسائل على قوى الضغط العاملة داخل الولايات المتحدة الأميركية على نحو يضعف حجتها ويعزز حجة الفريق المعارض لأي سياسة دعم أميركي للبنان ولا سيما لمؤسساته العسكرية والأمنية. ويخشى في هذا السياق ان تتأثر المساعدات المقدمة للجيش، اذ ستكون حجة المعترضين قوية جداً لجهة عجز المؤسسة عن حماية السفارة، ما ينفي بالنسبة الى هذا الفريق الذريعة او المبرر لتحويل المساعدات، ويضعف في المقابل حجة قوى الضغط العاملة والمدافعة نحو زيادة حجم الدعم للبنان. وسيكون لوفد من "مجموعة الدعم لأجل لبنان" Task force for Lebanon زيارة الأسبوع المقبل ربما الى بيروت للقاء عدد من المسؤولين. ويُخشى ان يتم تعديل موعد الزيارة او برنامجها اذا اخذ الحادث الأخير أبعاداً تتصل بعدم جدوى الاستمرار في التسويق والضغط امام الكونغرس من اجل تعزيز برنامج المساعدات وليس تقليصه أو وقفه، كما يتردد اخيراً.