المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الخميس 1 شباط 2024 07:54:35
لم يكن متوقعاً وفق أفضل الاحتمالات، أن تبلع الشركات والمؤسسات المستوردة الكبرى وخصوصاً مستوردو المحروقات، الضريبة المستجدة على "دولارات" الدعم التي أقرّها المجلس النيابي في موازنة 2024.
ولم يستسغ الكثير من المستوردين والتجار وبعض الخبراء الاقتصاديين المتابعين، اللغط الذي ساد إبان جلسات مناقشة الموازنة، حيال اختفاء البند المتعلق بهذه الضريبة عن النص النهائي لمشروع موازنة 2024 المحوّل إلى الهيئة العامة لمناقشته، والسرعة في إعادة طرحه والموافقة عليه، فيما أسرّ عدد من النواب بأنهم لم يسمعوا به سابقاً.
لم يلبث الاعتراض الهامس أن تحول صباح أمس إلى بوادر أزمة محروقات قد تعود باللبنانيين إلى زمن الإذلال والطوابير الذي اختبروه بمرارة لسنوات خلت، والخوف من تمدد الاعتراض إلى تجار المواد الغذائية والاستهلاكية ومستوردي الأدوية لتعود دوامة الاستغلال والاحتكار تقبض على أعناق الناس من جديد.
هل هي ضخامة الغرامات والمبالغ المستهدفة ما أغضب المستوردين والتجار؟ أم المفعول الرجعي الذي يدور حول دستوريته وقانونيته التباس وجدل بيزنطي؟ سؤال يقود إلى تساؤلات بديهية، عما إن كانت الدولة ستذهب قدماً إلى تطبيق هذه المادة، أم ستميل إلى وجهة نظر تطالب بتعديلها على قاعدة "لا يموت الديب، ولا يفنى الغنم".
وفي حال تنامي الاعتراض وتصاعد النقص في المحروقات والأدوية والمواد الاستهلاكية في السوق، ووقف الاستيراد وفق ما هدد المستوردون، هل سيغامر المعنيّون بإصدار مراسيم التطبيق وتعقيد المشكلة أكثر؟ أم سيكون مصير هذه المادة كمصير مثيلات لها أقرت في موازنات سابقة، أو قوانين وقرارات حكومية عدة لم تنفذ، وذهبت طيّ الأدراج والنسيان بسبب عدم الاتفاق على مفاعيلها بين المعنيين؟
إقرار هذه المادة وضع القسم الأكبر من المؤسسات التجارية التي تعمل قانونياً وبشكل شرعي في زاوية المتهم الرئيسي في إهدار دولارات الدعم، فيما يعرف اللبنانيون كيف ذهب القسم الأكبر من الدعم الى خارج الحدود والى جيوب المهربين والقوى النافذة التي ترعاهم، وهو ما رأت فيه الهيئات الاقتصادية والجمعيات والمؤسسات والشركات التجارية المعنية بمفاعيل الضريبة ظلماً في حقها، بما سيلحق الضرر الكبير بقدرتهم على الاستمرار والصمود في هذه المرحلة الصعبة.
وزير الطاقة السابق ريمون غجر قال لـ"النهار" إن من الواضح أن ثمة التباساً في موضوع الدعم، إذ إن الدولة لم تدعم الشركات بل دعمت المواطن، مع التأكيد أنه كان ثمة مراقبة على الكميات التي تشترى وتباع إذ إن الوزارة كانت تضع "التسعيرة" وهم يشترون البضائع بناءً على طريقة الدعم وسعر الدولار. فالمستورد كان قبل قرار الدعم يجمع أمواله بالليرة اللبنانية ويحولهم الى دولار حسب سعر السوق، ولكن بموجب سياسة الدعم، كانت الشركات تودع المبالغ بالليرة اللبنانية لدى مصرف لبنان الذي بدوره يحولها الى الدولار الأميركي لكي تتمكن الشركات من إعادة شراء المواد من الخارج، وتالياً لا يدخل أي دولار أميركي في حساب الشركات بالاستناد الى آلية الدعم.
وأكد أنه وفق الطريقة التي كان معمول بها لا يمكن للشركات والمستوردين أن يربحوا الأموال، خصوصاً أن الوزارة كانت تفرض عليهم سعراً محدداً فيما كان مصرف لبنان يزوّدهم بالدولارات بناءً على السعر الذي حددته وزارة الطاقة. وإذ نفى أن تكون الشركات المستوردة أفادت من الدعم، أكد أن من استفاد هو المواطنون من جهة، ومن جهة أخرى المهربون. وشدد على استحالة إفادة الشركات على اعتبار أن الدعم هو لدولار المحروقات فيما مهمة الوزارة كانت التسعير وإعطاء التعليمات لمصرف لبنان على أي سعر للدولار. والوزارة كانت تراقب الكميات التي تُعرض وتباع.
رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط مارون شماس الذي نفى أن تكون الشركات استفادت من الدعم، أكد لـ"النهار" أن النص الذي تقدمت به كتلة اللقاء الديموقراطي غير واضح، فإن كان المقصود هو أن نسدد ضرائب على مبالغ الدعم، فإن حجم العمل في تلك الفترة كان يقدر بنحو 8 مليارات دولار بما يعني أن فرض ضريبة بنسبة 10% سيتطلب من الشركات تسديد نحو 800 مليون دولار، أما إن كان المقصود الضريبة على الأرباح، فإن الشركات تسدد الضرائب على أرباحها فهل يريدون فرض ضريبة على الضريبة؟ الأجدى بهم ملاحقة المهربين والذين استغلوا الدعم والذين هم خارج القانون لا الشركات الشرعية التي تلتزم بالقوانين، وعملياتها مراقبة من وزارتي الطاقة والاقتصاد ومصرف لبنان والجمارك والأمن العام، فيما الأسعار ونسبة الأرباح تُحدّد من الدولة"، مضيفاً "القطاع الخاص والقطاع الشرعي تحديداً دائماً مكسر عصا"، ملمّحاً الى أن "النية هي إخراج الشركات الحالية من السوق بغية إدخال فريق جديد أو لاعب جديد!"
وكانت الشركات المستوردة للبنزين والديزل والغاز قد أوضحت أن "ثمة لجنة في مصرف لبنان كانت تهتم بالعملية الحسابية لتحديد معدل سعر الصرف الذي تم بيع هذه الشحنة من خلاله وتعلم اللجنة المذكورة المصرف الذي تتعامل معه الشركة المستوردة بمجموع المبلغ بالليرة اللبنانية الذي على الشركة تأمينه، فيما تتولى كل شركة مستوردة إرسال إجمالي المبلغ المطلوب بالليرة اللبنانية إلى مصرف لبنان بواسطة المصرف الذي تتعامل معه، ليقوم بدوره بتحويل قيمة هذا المبلغ إلى الدولار من أجل إيفاء قيمة فاتورة المورد حصراً".
شماس الذي سأل "على أي أساس وُضعت هذه الضريبة؟"، أكد أنها غير دستورية لكونها ضريبة بمفعول رجعي، داعياً اللجان المختصة الى إعادة النظر فيها.
فهل صحيح أنها غير دستورية وغير قانونية؟ مرجع قانوني أكد لـ"النهار" أن المبدأ القانوني هو في عدم الرجعية، ولكن ما يبرّر الخروج عن هذا المبدأ هو مبرّرات المصلحة العامة، فالاسستثناء لا تبرره سوى المصلحة العامة.
الاجتهاد الدستوري يقول إنه إذا وجد المشرع (أي مجلس النواب) أن ثمة مبررات لفرض الضريبة بمفعول رجعي على خلفية المصلحة العامة حينها يمكن أن تُفرض بمفعول رجعي. فالمشرع هو الذي يقرر إن كان هناك فعلاً مصلحة عامة أم لا. ولكن إذا طُعن بالقانون فهل يحق للمجلس الدستوري، أن يجزم إن كان فعلاً ثمة مصلحة عامة يتطلب بموجبها فرض ضريبة بمفعول رجعي؟ المرجع عينه يؤكد أن "المجلس الدستوري، يوضح في كل اجتهاداته، أنه ليس الجهة الصالحة لمراقبة المصلحة العامة، وتالياً عملاً بمبدأ فصل السلطات، فإنه لا يحق له الحلول محل المشرع".
وفي انتظار جمع تواقيع 10 نواب للطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري، ثمة نقطة مهمة في القانون الذي أوكل المهمة لوزارة المال للسير بالضريبة عبر تحديدها تطبيق هذه المادة بقرار يصدر عن وزير المال، وهنا لا بد من التذكير بأن غالبية بنود وأحكام المواد القانونية التي وردت في موزانة 2022 غير مطبقة إن لم تصدر لها مراسيم تطبيقية، وتالياً يمكن تعطيل هذه المادة إن لم يصدر الوزير مراسيم تطبيقها.
نقيب مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان جوزيف غريب أكد أن النقابة لم تتبلغ النص الرسمي كما صدر في الموازنة، ولكن وفق ما هو متداول سيصار الى فرض ضريبة على المستفيدين من الدعم، وهذا ما نرفضه لأننا لم نفد من الدعم، بل المريض والمستهلك اللبناني، أما نحن فالتزمنا بسياسة الدعم الرسمية التي اعتمدتها للدولة. أما أموال الدعم فذهبت للشركات العالميّة المصنعة للأدوية التي استوفت ثمن الأدوية المدعومة خارج لبنان عبر تحويلات مباشرة من المصرف المركزي.
وأكد أن شركات مستوردي الادوية هي شركات شرعية تسدد الضرائب المتوجبة عليها، فيما الغرامة هي بمثابة عقوبة على مخالفة ارتكبت وتالياً يجب أن توضع الغرامات على المخالفين أياً كانوا وإحالتهم على النيابة العامة إذا ثبت أنهم أفادوا من أموال الدعم، كاشفاً أن "ثمة مستحقات للشركات لدى الدولة بنحو 180 مليون دولار، وأنه ليس في إمكان الشركات العمل في ظل استمرار فرض غرامات عشوائية. وفي حال الإصرار على فرض هذه الغرامة فإنه ليس أمامنا خيار إلا التوقف عن العمل".
في المحصلة، لا خلاف على أن مليارات من الدولارات هدرت فكسرت ظهر الخزينة والاحتياط بالعملة الأجنبية معاً، وفي التوازي هناك يقين دائم بأن لا بد من يوم يجد من بيده الأمر والحكم طريقة أو آلية ما، أو ربما "قوة مضافة" يجبر بها من استفاد وأثرى من أموال الدعم والمال العام على إعادة المال المنهوب إلى الخزينة، وأن تعود الحقوق لأصحابها الفعليين إن في الدولة أو في مصرف لبنان ومعهما المصارف والمودعون.