اغتيال شكر لم يُصِب الاستقرار النقدي

أما وقد نفّذت إسرائيل تهديدها باغتيال القيادي العسكري من الصف الاول في حزب الله فؤاد شكر باستهداف مبنى  في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، تترقّب الأوساط الاقتصادية والمالية حركة السوق النقدية ما بعد هذه الحادثة، علماً أن عامل الاستقرار أظهر ثباته في أكثر من حادثة أمنية سجّلتها الساحة الداخلية منذ ما قبل اندلاع حرب غزة.

فحادثة استهداف القيادي في الحزب فؤاد شكر تركت بصماتها على الحركة الاقتصادية ولا سيما حركة السياحة والطيران وحجوزات السفر، لكنها لم تُصِب الاستقرار النقدي بخضّة.

رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل يقول لـ"المركزية" إن "التصعيد الأمني في الضاحية الجنوبية أول من أمس ترك من دون أدنى شك، تأثيراته على الوضع الاقتصادي العام في البلاد". ويذكّر بسيناريو احتمال تنفيذ العدو الإسرائيلي تهديداته بتدمير بنى تحتية ومعاقبة لبنان حكومةً وشعباً، "عندها أتوقّع حصول انكماش اقتصادي بنسبة تراوح بين 10% و15%". ولم يغفل في السياق، نفي الكلام عن وجود اقتصادَين في لبنان واحد في الجنوب النازف وآخر في المحافظات الأخرى حيث النمو والحركة الطبيعية، "هذا الكلام غير صحيح وغير جدّي إطلاقاً"، ويقول معقّباً: صحيح أن الجنوب يتأثّر بشكل مباشر لجهة البنى التحتية وتراجع الحركة التجارية وشلل الحياة المدنية، لكن الاقتصاد ككل على امتداد مساحة لبنان يتأثّر بالحرب الدائرة في الجنوب، وتتمثل هذه الانعكاسات في الفرص الضائعة للاقتصاد اللبناني ككل وتباطئه...". 

ويشير إلى أن "التطورات التي حصلت منذ أقل من أسبوع ولغاية اليوم، تركت تداعياتها على الحركة السياحية والاقتصادية... أما الوضع النقدي فبقي في منأى عنها"، ويوضح في السياق أن "لا تداعيات حتى الآن على الوضع النقدي"، لكنه لا يبدي أي استغراب من الأمر ويعزو ذلك إلى "أن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بدأت منذ تشرين الأول 2023 ولم يهتزّ سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، لأن مصرف لبنان سحب العام الفائت من السوق ما قيمته 22 تريليون ليرة أي خفّض الكتلة النقدية بالليرة بنحو 30% وهي لا تتخطى عملياً اليوم الـ600 مليون دولار في السوق، كما أن مصرف لبنان يملك احتياطي بالعملات الأجنبية تجاوز الـ10 مليارات و300 مليون دولار في منتصف تموز الفائت، ويمكنه استخدام جزء منه لتجفيف السوق بالكامل من الليرة، إذا رأى أي حاجة إلى ذلك".

ويُضيف: حافظت الليرة اللبنانية على استقرارها قبل 7 تشرين، متخطّية حوادث أمنية عدة كحادثة "كوع الكحالة" على سبيل المثال لا الحصر، ومعارك مخيّم عين الحلوة... في ظل شغور رئاسي دخل شهره الـ22 وحكومة في حال تصريف أعمال منذ منتصف أيار 2022، مع غياب أي إصلاحات بنيويّة! 
في ظل كل هذه الأجواء غير الملائمة، "استطاع مصرف لبنان المحافظة على استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وهو قادر على الاستمرار في ذلك إلا إذا اندلعت حرب شاملة على لبنان، عندها يصبح الوضع مختلفاً كلياً" بحسب غبريل.

ويؤكد أن "لا مضاربات على سعر الصرف في الوقت الراهن، والبنك المركزي لا يزال قادراً على ضبط الكتلة النقدية والمحافظة على سعر الصرف. كما أنه قادر على زيادة احتياطاته بالعملات تدريجياً، إذ تحوَّلت من منحى تراجعي إلى منحى تصاعدي ولو تدريجي منذ سنة حتى منتصف تموز 2024، فارتفع احتياطي مصرف لبنان بقيمة مليار و700 مليون دولار من آخر تموز 2023 إلى منتصف تموز 2024 في ظل انعدام المناخ الإصلاحي في البلاد!".

ويُشير في السياق، إلى أن "الخطوات التي اتخذها مصرف لبنان نجحت في الحفاظ على هذا الاستقرار، كما أنه زاد احتياطيه بالعملات الأجنبية من خلال: شراء الدولار من السوق، عائدات الحركة السياحية، تحويلات المغتربين من الخارج، والفوائد المرتفعة في أوروبا وأميركا الشمالية... فالبنك المركزي يعمل ضمن إمكاناته والصلاحيات التي تمنحها له القوانين المرعيّة". 

ويختم غبريل: لا أرى أي تعديل في سعر الصرف... إلا في حالة الحرب الشاملة! لا نريد استباق الأمور ونعي الاستقرار النقدي من اليوم بعيداً عن الجديّة والمهنيّة والمقوّمات العلميّة... وما يمكن قوله الآن إن سعر الصرف مستقرّ حتى إشعارٍ آخر.