المصدر: المدن
الكاتب: نغم ربيع
الجمعة 10 تشرين الأول 2025 08:50:00
بعد نحو خمس سنوات من الصمت والعتمة، تعود أسواق بيروت إلى فتح أبوابها مجددًا، في محاولةٍ جديدةٍ لالتقاط أنفاس العاصمة التي أنهكتها الأزمات وأثقلتها الجراح.
تحت شعار "Beirut Souks Reborn"، أطلقت إدارة الأسواق فعالية "عودة الحياة إلى قلب العاصمة"، في مشهدٍ حاول أن يستعيد بعضًا من صورة بيروت قبل الانهيار: المدينة التي كانت تفيض بالحركة، بالمقاهي والمارة، بالزوار والمغتربين، وبالضجيج الذي يشبه نبضها.
رئة العاصمة
قبل الأزمة الاقتصادية، كانت أسواق بيروت تُشبه رئة المدينة فعلاً، المكان الذي يلتقي فيه نبض الحاضر بذاكرة الماضي. هناك، كانت تتقاطع أصوات المارة مع موسيقى المقاهي، وتختلط لغات السياح والمغتربين تحت أضواءٍ لا تعرف الانطفاء.
لكن منذ العام 2019، تغيّر كل شيء. الانهيار المالي أفرغ المتاجر من زبائنها، وأطفأ الأنوار التي كانت تُضيء وسط العاصمة. ثم جاء انفجار المرفأ في العام 2020، ليقضي على ما تبقّى من وهجها. خلت الممرات من الناس، أُقفلت المحلات، وتحوّلت المنطقة التي كانت يومًا عنوانًا للفخامة إلى فراغٍ صامتٍ في قلب بيروت.
لم يعد أحد يمرّ هناك إلا من باب الحنين أو الحزن. بدا المشهد وكأنه مدينة أشباح تُقاوم الذكرى أكثر مما تُقاوم الخراب.
عودة نابضة بالحياة
قبل أشهر، بدأت ملامح العودة تتشكّل تدريجيًا. إعادة افتتاح بعض المحال التجارية في هذه المنطقة الحيوية شكّلت دفعةً كبيرة لاقتصاد العاصمة، من خلال خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الاستثمارات المحلية وربما الدولية.
هذه الخطوة أعادت الثقة إلى بيئة الأعمال، وساهمت في دعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، كما استقطبت علامات تجارية عالمية دخلت السوق اللبنانية للمرة الأولى، ما وفّر استثماراتٍ متنوعة في القطاعات التجارية والسياحية والخدماتية.
اليوم، تعود الحياة فعلاً. مع ماركات عالمية تستثمر مجددًا في لبنان بثقةٍ وبقلبٍ قوي، رغم كل ما مرّ على البلاد من انهياراتٍ ماليةٍ وأمنيةٍ واجتماعية.
تعود الأضواء لتتسلل مجددًا إلى ممرات الأسواق، في مشهدٍ يذكّر بزمنٍ كانت فيه بيروت تُعرّف نفسها بأنها عاصمة الحياة في الشرق. وكأن الافتتاح ليس مجرد حدثٍ تجاري، بل إعلان رغبةٍ جماعية في استعادة المدينة نفسها، بعد أعوامٍ من الانكسار والعزلة والحرب المفتوحة التي لا تزال تتربّص بها.
في هذا السياق، محافظ بيروت مروان عبود يقول لـ"المدن" أن "إعادة افتتاح الأسواق يعني عودة بيروت إلى الحياة وإلى سابق عهدها. استغرق الأمر وقتًا طويلاً لإعادة بناء الثقة وجذب المستثمرين، لكن الآن عندما تنطلق بيروت، لا أحد يستطيع أن يوقفها."
رهان على الأسواق
الرهان كبير. الجميع يعوّل على أسواق بيروت لتكون بوابة الانتعاش الاقتصادي والسياحي. فهذه المساحة ليست مجرد مشروعٍ تجاري، بل رمزٌ لصمود العاصمة، ودليلٌ على أن روح المبادرة لم تمت في بلدٍ اعتاد الانكسارات وتعلّم كيف ينهض بعدها. وزير الأشغال فايز رسامني يرى أن القطاع الخاص بقي مؤمنًا بلبنان رغم كل شيء ويعبر لـ"المدن" أن "لبنان يمرّ بأيامٍ صعبة، لكن الأيام المزدهرة أكثر من الأيام القاسية."
أما وزيرة السياحة لورا الخازن فتؤكد لـ"المدن" أن "الوضع يتحسن، وبيروت تتغيّر، وهذا كله مفيد للاقتصاد والسياحة." ومن قلب الأسواق، يقول النائب عن بيروت إبراهيم منيمنة: "نُعيد اليوم عرض جمال هذه المدينة ونشاطها. بيروت تنبض بالحياة من جديد، وستستمر في دعوة الجميع للمشاركة في نهضتها."
وما بين الاحتفال الرسمي اليوم والنهضة اللي شهدتها في الأشهر الماضية، تكتب بيروت فصلًا جديدًا من قصتها.